لا تنشر هنا

اَلرّجُلُ الصّغيرُ إكس (x)

محمد طيبي

وُلد بقبيلة أولاد عبدون في خريف سنة 1919، وانتقل رفقة أسرته إلى القرية المنجمية بولنوار، حيث عمل والده مع الفرنسيين في أشغال بناء محطة تنشيف الفوسفاط، المنشأة المقابلة لحي البيوت في الوقت الحالي. لقبته أمه بالرجل الصغير، لأنه كان يحب تقمص شخصية والده “العطاش” الذي تعود على الغياب طيلة النهار بسبب ظروف العمل.

كان الرجل الصغير طفلا مطيعا ونشيطا، يمضي يومه بين الكتّاب ومساعدة جدته كوريغا أو رعاية أخيه الصغير عمر، وكان أكبر من عمره و من النادر أن يخرج للعب مع أقرانه، وأحبّ دائما أن يبقى مستيقظا حتى يفتح الباب لوالده “العطاش” عندما يعود من العمل، وأحياناً كان يغلب النوم جسده الصغير.

في ليلة من ليالي الشتاء، كان الرجل الصغير إكس يحمل منشفة بكل ما أوتي من قوة ويصارع ثقباً كانت مياه الأمطار تتسرب منه إلى داخل الكوخ، فجأةً سمع طرقاً على الباب، فتهلل وجهه ظناً منه أن والده قد عاد وسيساعده على إصلاح الكوخ، فقفز فرحاً مهرولاً إلى الباب وفتحه، فإذا بفقيه الدوار واقفا عند الباب، فطار مسرعاً عائداً إلى الثقب وهو يصيح: أمي … أمي الفقيه يريدك عند الباب، وأنهمك الرجل الصغير من جديد في صراع مرير لإصلاح الكوخ، وفجأة دوّت صيحة عصفت بسكون الكوخ الصغير.

لم يقو الرجل الصغير على الالتفات، هذا صوت أمه، لكنه لم يسمعها تصيح بهذا الشكل وبهذه القوة من قبل.

بعد واحد وخمسين سنة، وبالضبط في إحدى ليالي شتاء 1980، كان الرجل الصغير يرقد على فراش الموت بإحدى البيوت بقرية بولنوار المنجمية، فقد اضطر المسكين منذ أن كان طفلا أن يعمل في نفس المصنع الذي مات والده فيه، ليعيل أخاه وأمه، واستطاع أن يضمن لنفسه مكاناً بين “العطّاشة” في الغار في فترة شبابه، حيث كان العطاش الأصغر والأقوى بينهم، حتى أصبح الكابران ديال العطاشة.

عاش رجلنا الصغير حياة مليئة بالعذاب والظلم، وتغلب على كل المحن، لكنه في هذه المرة كان مدركاً أنها النهاية، فقد أصيب بمرض لم يسمع به أحد من قبل في القبيلة، كانت رئتاه متورمتان وبدأ شعره يتساقط حتى أظافره سقطت الواحد تلو الآخر، لقد كان بدنه المعتل مثقلاً باليورانيوم.

تذكر صديقه لحسن الأمازيغي الذي كان يضع وشما على أنفه، لحسن الذي دفنته الحشة حياًّ في الغار، تذكر التعذيب الذي تعرض له عشية إضراب العطاشة الشهير، تذكر كل الذين قتلوا في ذلك اليوم، تذكر أخاه عمر الصغير الذي قتل برصاص الفرنسيين في انتفاضة وادي زم، تذكر والده الذي ذهب للعمل ولم يعد…. ثم ابتسم الرجل الصغير إكس ابتسامة ساخرة وسلم الروح إلى بارئها.

هذه القصة خيالية وأي تشابه بينها وبين الواقع فإنه ليس بمحض الصدفة، فقد وجدت هذا الطفل في أحد الفيديوهات التي تصور معمل التنشيف بحي البيوت في عشرينات القرن الماضي وتعلقت به وأردت أن أعرف من هو وما هي قصته، فأطلقت عليه اسم الرجل الصغير إكس، أدرت أن أقول له رحمك الله أيها الرجل الكبير وأن المرض الذي قتله اسمه السيليكوز، وأن أحفاده قد تعرضوا من بعده للتعذيب داخل كوميسيرية خريبكة يومي الخامس والسادس من يونيو 2012، أردت أن أقول له أنهم أخذوا الفوسفاط و تركوا لنا أنياب القرش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى