قضايا وحوادث

وجهة نظر في واقعتي مكناس: جريمة قتل ستيني لزوجته الخمسينية وزواج امرأة من زوجين

د. سعيد عبد الرحمان بن خضرة

بداية يمكن القول أن الواقعتين معا تشتركان في جملة من التصورات وتختلف في ما بينها في بعض الجزئيات، فما يوحد الواقعتين هو وجود علاقة زوجية قائمة وأيضا الوظيفة النظامية للزوجين، أما ما يميز بينهما هو الفروق الاجتماعية والثقافية للأسرتين معا، فعلى ما يبدو في الواقعة الأولى أن المعطى الثقافي شبه مغيب أو غير مثبت على مستوى الخبر بالنسبة للزوجة ،في حين فهو مثبت خبريا في الواقعة الثانية، ووجه الفرق أيضا أن العنصر النسوي في هذه الأخيرة مشتبه بها وفي الأولى مجنى عليها.

وما يمكن أن يثار بشأن تحليل الواقعتين وباستحضار ولو نظريا واقع الأسرة المغربية يبدوا أنها بوجه آخر تساءل بنية الروابط المجتمعية التي يتعين أن تؤسس على ثقافة احترام الآخر في جميع تجلياته وبما في ذلك الحق الواسع في ممارسة الحياة الذي على الدولة بمختلف أجهزتها الرسمية والتمثيلية أن تضع له أسس متينة تحفظ الكيان العام للأمن المجتمعي.

وعودة إلى الواقعتين هما معا لهما وعليهما ما عليهما من آثار نفسية على القريب والبعيد ،وبحسب المعطيات المتداولة على جميع المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام فالجاني في الواقعة الأولى هو زوج الضحية، والمشتبه فيها في الواقعة الثانية زوجة الزوج الأول المعتبر ضحية، وهنا أية للواقعتين تستدعي مناقشة أمرين على وجه الإجمال، الأول مرتبط بالتقدير القانوني للأفعال موضوع المتابعة، والثاني يجب أن يقيس العلاقة الزوجية في بعدها الروحي، ولن أركز على البعد الأول لسبب بسيط أن ظروف وملابسات كل واقعة لا يحيط بها إلا من توافرت لديه معلومات كافية حول الأسباب الحقيقية والدافعية وظروف ارتكاب الأفعال المرتبطة بها، وهذا أمر رهين بإجراءات البحث والتحقيق في العناصر التكوينية للوصفين والتصريحات المدلى بها في شأنها، وهي حتى وان توافرت لدى هذه المؤسسات فتبقى على وجه الاحتمال مرتبطة بسلطة القضاء الجنائي في تقدير عناصر الإثبات والظروف العينية والشخصية المصاحبة لذلك، خصوصا وان المشتبه في زواجها الثاني بحسب ظروف الواقعة أنها القي القبض عليها بمعية أشخاص من ضمنهم شقيقها وزوجها الثاني والى حدود هنا فالأمر لا لبس فيه واعتقد أن القول بارتكابها لجريمة الخيانة الزوجية هو أمر ليس في محله إعمالا لمقتضيات المادة 491 من القانون الجنائي المغربي فالخيانة الزوجية هي العلاقة الجنسية غير المشروعة المرتكبة من أحد طرفي عقد الزواج ويتطلب قيام هذه الجريمة من الناحية القانونية توافر أركان معينة وهي:

الركن المادي في صورة الاتصال الجنسي غير المشروع الذي يمارسه أحد الزوجين مع أجنبي وهذا شيء غير متوفر في هذه النازلة لأننا بوصف أو بآخر أمام اتصال جنسي مشروع تابت بعقد زواج لم يثبت بعد عدم صحته ، وهنا في اعتقادي المتواضع كان حريا بالنيابة العامة حفظ القضية في ما يتعلق بواقعة الخيانة الزوجية لعدم توافر العناصر التكوينية لها إلى حين إثبات جريمتي النصب و الإدلاء ببيانات مغلوطة للحصول على وثائق مزورة ومن له المصلحة في ذلك عليه أن يسعى لإبطال عقد الزواج الثاني وممارسة حقه في الشكوى من اجل الخيانة الزوجية.

أما الواقعة الثانية فالجاني وحسب ما هو متداول إعلاميا يعاني من مرض مزمن ولم تشر المعطيات الإخبارية إلى نوع المرض وهذا من جهة أخرى يدخل في تقدير المساءلة الجنائية المبنية بمقتضى المادة 132 من القانون الجنائي المغربي على عنصر الإدراك والإرادة وهي مسميات تأتي بلفظ الشعور، وعلى هذه النقطة بالذات يمكن أن نبحث في فرضيات معينة قد تقربنا إلى بعض التفسيرات المحتملة لملامسة الواقعتين نظرا لان هناك خيط ناظم بينهما.

فبالرجوع إلى الواقعة كما تداولتها وسائل الإعلام فالأمر في بساطته واقعة إجرامية لا تخرج عن السلوكات الأخرى التي تلحق الأذى بنفس الغير ، ولكن باستحضار المعطى العمري للجاني والضحية والعلاقة الزوجية القائمة بينهم على وجه الواقع الظني، فان الجاني يبلغ من العمر 68 سنة متقاعد من وظيفة نظامية، والضحية زوجته التي فارقت الحياة عن عمر يناهز 58 سنة، بطبيعة الحال الفارق بينهما 10 سنوات وهذا أمر جد مقبول في العلاقات الزوجية المغربية وعليه لا يتبقى معه إلا محاولة رصد ما يرتبط بالبعد النفسي والاجتماعي بين قوسين،لماذا؟ فالجاني زوج الضحية وباغتها وهي على فراش النوم بعدة ضربات قوية على رأسها “بيد مهراس” وهذا الأمر إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك كره شديد وتراكم لحقد دفين ربما يرجع إلى إحدى فترات الزوجية فما أقدم عليه الجاني فيه شيء من الغدر تجاه العلاقة الزوجية وخيانة لحرمة الثقة والأنس الذي يجب أن يسود الأسرة بوجه عام وهذا البيت الزوجي بصفة خاصة.

وبوصف عام كلنا في بيته، كلنا يعمل ويكد من اجل أسرته لتحقيق الشروط الدنيا ولما لا الفضلى لأسرته، وهنا يكون التساؤل مشروعا؟ لماذا نطمئن إلى التقاعد الوظيفي والعملي ولا نؤسس إلى التقاعد العائلي؟ هل استثمر الأزواج المغاربة في نوع من التعاقد والتقاعد يضمن للأسرة والحياة الزوجية المساكنة النفسية التي هي نتاج حصيلة الحب والحنان طيلة مسار العلاقة الزوجية، باختصار شديد هذه الواقعة الإجرامية تتطلب منا تجديد الروابط الروحية والودية داخل البيت الصغير وحتى بيتنا الكبير الذي هو المجتمع، فلو بحثنا فرضا في نفسية المشتبه فيها في الواقعة الثانية لوجدنا أن شيئا من اليأس وفقدان الأمل في الزواج الأول قد تسرب إليها خلال فترة العقوبة السجنية التي كان يقضيها زوجها الأول، وربما أن هناك بعض الدردشات الحميمية التي قد تكن من داخل محيط العائلة أو الأقارب والأصدقاء ولدت عندها اليقين أن مقام زوجها الأول بالمؤسسة السجنية سيطول.

وهنا ندخل في المسكوت عنه في طبيعة الأنثى وطابو المحرم في التعبير عن الشعور الداخلي لديها في الانتفاع بحقها الطبيعي الذي كانت ستصل إليه بسلوك مسطرة التطليق للضرر، وهذا أمر لا اعتقد انه لم يكن حاضرا عندها خصوصا ومستواها الاجتماعي الذي ربما خلق لديها نوع من الحرج النفسي وولد لديها فكرة احترام شيئا من الشعور والإحساس بالذنب إذا ما أقدمت على مسطرة التطليق لمن عاشت معه لمدة قصيرة أو طويلة تحت سقف واحد ولكن ما وقع لم يكن في الحسبان حيث أن استرجاع زوجها الأول لحريتة بعثر شيئا من هذا التكهن الشعوري.

ومنه تبقى الواقعتين رهينتين بما تستخلصه حيثيات البحث والحكم في هذه الأفعال، ولكن كيف ما كانت النتائج المتوصل إليها فهي اشعار بدون صائر إلى أن هناك خلل في بنية المجتمع يتعين رصد مسبباته وإعمال التدابير الكفيلة بمعالجته قانونيا واجتماعيا خصوصا مع التحولات الجذرية التي يعرفها المجتمع المغربي وانفتاحه اللامشروط عن المساواة بين الجنسين في تداول الحقوق والحريات المنفتحة التي يتعين معها تجديد قراءة المنظومة القانونية في ثباتها وتغيرها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى