لا تنشر هنا

رهاب الاسلاموفوبيا

د سعيد بنيس

رهاب الاسلاموفوبيا
___________

في تحليل أسباب تصاعُد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب بعد أحداث 11 شتنبر 2001، يمكن رصد مجموعة من المُحدّدات الموضوعية التي أفرزت الظاهرة منها تنامي موجات الهجرة من الجنوب إلى الشمال، واستعصاء اندماج المهاجرين في النسيج المجتمع الغربي؛ والأزمة الاقتصادية العالمية، التي جعلت مواطني البلدان الغربية يروْن في المهاجرين منافسين لهم على مناصب الشغل وتجدر “أسطورة أسلمة أوروبا”، للحد الذي أصبحت معه الإسلاموفوبيا ظاهرة منتشرة حتى في بلدان لا توجد فيها جالية مسلمة، وأفضت إلى بروز “منطق حربي” يُنظر من خلاله إلى الإسلام على أنه “عدو”. هذه الوضعية كان لها تأثير على قرارات السياسيين في البلدان الغربية، كما هو الحال بشأن القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بمنع مواطني سبْع دول إسلامية من دخول أمريكا في سياق ظهور مراكز أبحاث في الولايات المتحدة تشجع وتعطي حلولا للسياسيين. لكن في المقابل يوجد في أوروبا نسيج جمعوي مناهض لدُعاة الإسلاموفوبيا مع مفارقة جدرية تتمثل في كون نسبة المسلمين في القارة العجوز أعلى من نظيرتها في أمريكا، إذ تصل نسبتهم في فرنسا فقط إلى 5 في المائة، في حين لا تتعدّى النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية 1 في المائة.

فانتشار الإسلاموفوبيا بشكل أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية ينطوي على أغراض سياسوية لا سيما التحذير الشديد الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيران ، والذي يعني أنّ أمريكا تعتبرها خطرا. فالتعامل مع الخصوصية الثقافية للمسلمين في البلدان الغربية أصبح ينحو منحى الفوبيا المرضية كشكل من أشكال الوعي الجماعي والمؤسساتي، وهو ما أفرز وجود مؤسسات تعتبر الآخر خطرا يهدد النسق الاجتماعي لهذه البلدان. يمكن في هذا السياق الإحالة على دراسة أنجزتْ في فرنسا في غضون سنة 2017 لكشف التمييز الذي يطال المسلمين في ميدان الشغل، إذ تمّ تقديم 6231 طلب عمل إلى أرباب المقاولات، تضمّنت سيرا ذاتية بأسماء مستعارة، فكانت النتيجة أنَّ عدد الطلبات المقبولة التي تحمل أسماء عربية لمْ تتعدَّ 5 في المائة. وهذا يعني أنّ الخلل في الآخر المتأثر بمقولة الإسلاموفوبيا.

وإذا كان المسلمون يشتكون من الإسلاموفوبيا في الغرب، فإنَّها توجد أيضا حتى داخل المجتمعات الإسلامية في أشكال مختلفة تروج لها فئات وبنيات بمنطق اختزالي يؤسس النسق الديني على مظاهر خارجية واجتماعية وثقافية (اللباس – أماكن الاختلاط – اللغة …) ذلك أن كلّ من اختلف مع “النموذج” يتمّ رمْيه ب”الكفر” ويصبح عرضة للإقصاء والتهميش والمعاداة. مما خلق شريحتين من المواطنين ، شريحة تتكون من مناصري “النموذج” من خلال نسق ومنطق “الاسلاموفيليا” ( Islamophilie ) بمعنى تمجيد وتثبيت والإشادة ب”النموذج” وشريحة من المواطنين تصبح عرضة لثقافة وسلوك الخرجات التكفيرية التي تقوم بها الفئات والبنيات التي تدافع على “النموذج الحصري” للمسلم . مما يؤدّي إلى انتشار ثقافة الكراهية والتنافر تجاه من لا يتوافق سلوكه الاجتماعي والثقافي مع هذا النموذج .
من هذا المنطلق فالاسلاموفوبيا المنعكسة داخل مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا على سبيل المثال ليست حكرا على الغرب بل كذلك نوعا من انواع التمييز والإقصاء داخل بلدان العالم الإسلامي وإلغاءا مباشرا لمقومات المواطنة والعيش المشترك والرابط الاجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى