السياسية

سعيد بنيس يكتب : بين “الحكرة” والاحتجاج

سعيد بنيس

أدى اعتماد الحركات الاحتجاجية لحلبات واقعية و أخرى افتراضية إلى ظهور أنساق مفاهيمية جديدة مثل مفهوم ” الحكرة” الذي عرف استعمالا متميزا في كل من المغرب و الجزائر.

ففي سنة 2001 وظفت مفردة “الحكرة” في سياق الحراك المجتمعي من طرف الحركة الديمقراطية الجزائرية للدلالة على سلوك ”الاستعلاء ” الذي تنهجه السلطة الجزائرية تجاه الطبقات الشعبية. أما في المغرب, فقد استعمل المفهوم سنة 2004 للتعبير عن حالة المنع التي تعرضت لها بعض الجرائد الجهوية مثل “Ici et maintenant” بمدينة ورززات أو “منبر بني ملال” بجهة تادلا أزيلال. وفي 22 يناير من سنة 2007 دعت الحركة الأمازيغية إلى وقفة احتجاجية ضد “الحكرة” أمام مبنى البرلمان بالرباط تضامنا مع الضحايا الثلاثون لأنفكو و أنمزي و تونفيت. أما في ما يتعلق بجمعيات المغاربة القاطنين بالخارج فقد تقرر تاريخ 26 أكتوبر يوما عالميا ضد “الحكرة”, حكرة المغرب للمغاربة القاطنين بالخارج. كما اعتبرت سنة 2009 من طرف جميع الفاعلين في الحقل الإعلامي سنة “حكرة” الصحافة المغربية قياسا على الدعاوي المرفوعة ضد عدد من الصحف : أخبار اليوم, الجريدة الأولى, المشعل, Economie&Entreprises, المساء, الأحداث المغربية, Tel Quel و نيشان.

وفي سنة 2011 اندلعت موجة من التوثر الاجتماعي بالجزائر أسفرت عن اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن و المحتجين. رفع فيها الشباب المِؤطرين من طرف جمعيات المجتمع المدني شعارات منددة بحالة “الحكرة” التي يعيشونها. وفي نفس السنة كان المغرب على موعد مع موجة من الاحتجاج بدأت في 20 فبراير ضمت غالبية مكونات المجتمع المدني وبعض التكوينات السياسية والجماعات الإسلامية. وقد تميز هذا الحراك المجتمعي بتبنيه لخطابات و شعارات ترمي في مجملها إلى المجاهرة باللامساواة و انعدام العدالة الاجتماعية. فتم تنصيب مفهوم “الحكرة” ككلمة مفتاح لحركة شباب 20 فبراير في الفضاء الواقعي (المسيرات و التجمعات) و الفضاء الافتراضي (الفايسبوك, التويتروالمواقع الخاصة بالحركة).

 

ترمز مفردة “الحكرة” إلى الاحتقار و الاستعلاء من قبيل “حنا لمغاربة حكارة”, “كنس حكار”, “حكرتيني” … انتقل معنى المفردة إلى معنى “اللامساواة الاجتماعية” و “الظلم الاجتماعي” عبر انزلاق دلالي (“glissement sémantique”) هم قنوات التداول المجتمعي. في هذا السياق يرتبط مفهوم الحكرة في هذا الحقل الدلالي بالحقوق المدنية المرتبطة بالمطالب المادية والمعنوية مثل الحق في الصحة, في الشغل, في التمدرس, في الحماية الاجتماعية، في اللغة, في المساواة, في الاحترام, في الكرامة, …

من هذه الزاوية، ليست الحكرة شعورا يعبر عنه أو يكشف عنه من خلال حالات البوح الفردية أو الجماعية إنه أساسا “مشهد حدث” يتم التقاطه وتوزيعه و تشاركه. كما يمثل توظيف هذا المفهوم شحنة ناقلة للتعبئة المواطنة والفعل النضالي المزمع القيام به : مسيرة, وقفة, اعتصام , … وهكذا تحول المفهوم من ساحة عامة يشغلها فاعلون غير منظمين إلى ساحة خاصة يِؤطرها فاعلون منظمين ينتمون إلى المجتمع المدني (الحركة الأمازيغية، تنسيقيات “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” ،المغاربة القاطنين بالخارج, الصحافة،الجمعيات النسائية ،حركة 20 فبراير، جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان …).

ينتج عن الشعور بالحكرة توجه ضمني وشكلي إلى نوعين من التعبئة، الأولى تتم عبر خطاب احتجاجي يرتكز على “الحكرة الكلامية” (« hogra dite ») التي تخص الخطابات والتفاعلات الواقعية والافتراضية حول اللامساواة الاجتماعية و الثانية تعتمد “الحكرة المتحركة”(«hogra agie») التي تترجم عبر الحراك الواقعي من قبيل المسيرات والوقفات و الاحتجاجات والاعتصامات … فلفظة الحكرة تعدو أن تكون الكلمة الموحدة (leitmotiv) لجميع الأطياف (السلفيون, الأمازيغيون, اليساريون, الإسلاميون ومواطنون من مشارب مختلفة). من هذا المنطلق, يمكن كذلك التمييز بين مفهوم ينطبق على حالة داخلية من اللامساواة الاجتماعية تتحدد ملامحها داخل حدود الوطن: “حكرة داخلية” او حكرة مغاربة المغرب ومفهوم آخر يرصد حكرة يمتد مداها خارج الوطن (أوربا و أمريكا) : حكرة خارجية أو حكرة مغاربة الخارج.

ويمكن إيجاز الحقول المطلبية التي تبنت مفهوم الحكرة في ما يلي: الحقل اللغوي والثقافي الأمازيغي (المأسسة و الدسترة), حقل العدالة الاجتماعية (الحق في الحماية الاجتماعية, في الصحة, في المدرسة, في الشغل, …) الحقل الهوياتي (إشكالية الانتماء إلى مجموعات ومنظومات بعينها), الحقل الشخصي و الفردي (الكرامة, الإنصاف, مصادرة الألقاب الأمازيغية …), حقل التهميش الترابي و المحلي (التجاهل الرسمي لبعض المناطق القروية و الجبلية), حقل العلاقة مع الدولة (التمييز, الريع, التشنج و الصدامية…), حقل حقوق الإنسان (حرية التعبير, الصحافة, المناصفة …).

في هذا السياق يشكل مفهوم الحكرة النقيض الأمثل لمفهوم “الكرامة” و “الاحترام” وكذلك لمفهوم “المساواة” المرتكز على مبدأ المواطنة بدون تمييز أو إقصاء بالنظر إلى اللون أو العقيدة أو العرق أو اللغة أو الجنس أو المستوى التعليمي أو التراب … يتضح جليا أن المفهوم يؤثث إلى جانب مفاهيم أخرى مثل الاستبداد و الفساد و الرشوة والمحسوبية … الحقل النسقي للظلم الاجتماعي في خطاب المجتمع المحتج.

من هذا المنطلق فان مقاربة دينامية المجتمع وإدماج بعض المصطلحات مثل مصطلح “الحكرة ” تبدو صعبة التنميط والوصف وذلك لحركيتها المتغيرة وتموجها وتنويعاتها. لهذا يمكن التعاطي مع المفاهيم المرتبطة بالاحتجاج والظلم الاجتماعي و انعدام العدالة الاجتماعية من زاوية نظرية تتقاطع فيها التخصصات : السوسيولجيا، الانتربولوجيا ،علم السياسة، علم النفس … للتركيز على العناصر الاجتماعية و الثقافية و السياسية لهذه الحركات التي تحدد وترسم دور وتأثير وفاعلية المجتمع المحتج في توجيه مستقبل السياسات العمومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى