مجتمع

«لن أعيش من دونك يا أبي..» رحلة طارق مع خطأ طبي تسبب لأبيه بالعمى والشلل

جديد24

“أمي.. جئتك حاملا الخبر السعيد، افتحي الباب بسرعة أماه”.. كانت تلك هي الكلمات التي أطلقها الشاب المغربي طارق عبوبي وهو يدخل إلى منزله بمدينة وجدة المغربية (شرق) مسرعا، مبشرا أمه بالخبر الذي تنتظره الأسرة منذ فترة طويلة

وما إن فتح الباب حتى ارتمى طارق في حضن أمه باكيا، فاختلط نحيبه مع نحيبها، وانبرى قائلا “لقد جمعت المبلغ المطلوب يا أمي لكي يجري أبي العملية الجراحية، لقد ساعدني الكثيرون”.

والمبلغ المطلوب الذي استطاع طارق جمعه -إثر حملة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي- لإجراء العملية الجراحية الثالثة لأبيه في تركيا في 2018 كان يقارب الثلاثين ألف دولار.

بداية الحكاية

قصة طارق عبوبي -الشهير فيسبوكيا بـ”تيكو”- وأبيه محمد بدأت عام 2014 عندما بدأ الأب يحس بأعراض مرضية، فما كان من الأسرة إلا أن حملته للمستشفى، حيث تم تشخيص الإصابة بورم في الرأس.

وبعد شهور طويلة من زيارة الأطباء نصح بإجراء عملية جراحية دقيقة في الدماغ لاستئصال الورم بمستشفى داخل مدينة وجدة، فأقدمت الأسرة على ذلك على أمل شفاء عائلها، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان.

بحسب طارق فالصور الطبقية تكشف حقيقة “الكارثة” التي تسببت فيها العمليتان الأوليتان لأبيه (التواصل الاجتماعي)
فقد أجريت العملية الأولى، وعلى إثرها مباشرة اتهمت الأسرة الطبيب الذي أجراها بارتكاب مأساة في حق محمد الذي أصيب بالعمى مباشرة.

أعيد بعدها إلى غرفة العملية، حيث أجريت عملية جراحية ثانية لمحمد بنفس المستشفى على يد الطبيب نفسه، لعلها تتدارك ما جرى في العملية الأولى، لكنها فشلت هي الأخرى فازداد وضع محمد سوءا وأصيب بالشلل بعد العمى ومضاعفات صحية خطيرة.

وفيما كان رد الطبيب وبعض المحيطين به أن ما وقع عبارة عن مضاعفات طبيعية للعمليتين الجراحيتين تأكد للأسرة -خاصة للابن طارق الذي سيحمل ثقل المأساة- أن الكارثة وقعت، وأن الأب المبتلى لن يعود كما كان.

وما يفتأ طارق يبرز صور الأشعة والصور الطبقية لكل من يلومه أو يعاتبه على توجيهه انتقادات لاذعة للطبيب الذي أجرى العمليتين، وتهديده بمقاضاته قضائيا.

ومشكلته الأبرز، كانت رفض أطباء في مدن أخرى إجراء العملية، لخطورتها على حياة الأب الذي أصبح في حالة صحية مزرية لا يكاد يتحمل فيها فشلا جديدا.

طارق كرس وقته وجهده كاملا لمتابعة الوضع الصحي لوالده (التواصل الاجتماعي)
“علاج أبي”
لذا قرر طارق البحث عن وسيلة لنقل والده إلى مستشفيات تركيا لإجراء العملية الجراحية بعدما رفض طلبه بالحصول على تأشيرة للعلاج في إحدى الدول أوروبية مرات عديدة.

تكاليف الاستشفاء الباهظة التي يستحيل على الأسرة متوسطة الحال تحملها دفعت الابن إلى استغلال فيسبوك لإطلاع الناس على حالة والده، وطلب دعمه لتوفير مبلغ العملية الثالثة.

وفوجئ طارق وكل من تتبع حالة والده بالتعاطف الكبير الذي حظيت به قصته، ليس في وجدة وحدها، ولا في المغرب فقط، بل في دول أجنبية عديدة، جلها في القارة الأوروبية، حيث أثرت حالة الأب في نفوس الناس الذين أعجبوا بعدم يأس طارق من شفاء أبيه، واتباعه كل الطرق بحثا عن العلاج.

وعندما حصل على المبلغ المطلوب أسرع إلى حضن أمه ليبشرها بجمع نحو ثلاثين ألف دولار، وانتشر فيديو لقائه بأمه في وسائل التواصل الاجتماعي، وكان حديث كثير من المواقع الإخبارية المحلية والدولية.

سافر طارق مع أبيه إلى تركيا، ووثق الرحلة وتفاصيل العملية في فيسبوك عبر الصور والفيديوهات والبث المباشر، لإطلاع المتعاطفين مع أبيه على جديد قضيته.

نجح الأطباء الأتراك في إجراء العملية في ظروف ممتازة بحسب وصف طارق، حيث استئصل الورم بشكل كامل، وعند العودة وجد في استقباله بمطار وجدة العديد من المتعاطفين، خاصة جمعية “أفضل عائلة” التي كانت من أكبر من تضامنوا مع طارق وأبيه.

استقبلوه بالأهازيج الشعبية وبالتمر والحليب فرحا بنجاح العملية واستئصال الورم، وكان يوما سعيدا أدخل الفرحة على قلوب كل من يتابع الملف.

رحلة العلاج الأولى لتركيا عام 2018 (التواصل الاجتماعي)
ابتلاء جديد
لكن اتضح بعد فترة أنه بسبب فشل العمليتين الأولى والثانية في وجدة المغربية تجمعت سوائل بالدماغ سببت لأبيه صداعا شديدا، وكثيرا ما سمع وهو يصرخ من الألم عند استخدام طارق تقنية البث المباشر على فيسبوك لطلب دعم علاج أبيه.

وبعد فحوصات وأشعة استنزفت ما تبقى من مدخرات الأسرة تأكدت الحاجة لعملية جراحية رابعة، وأسقط في يد طارق وأمه، فمن المستحيل بالنسبة إليهما إجراء العملية في وجدة، وكثير من الأطباء في مدن مغربية رفضوا إجراء عملية على دماغ الأب لحساسيتها وقلة التجهيزات.

كما أن طارق لا يريد العودة لفيسبوك مرة أخرى، والتوسل إلى المتعاطفين لدعمه كما في المرة الأولى لنقل أبيه إلى تركيا، وحكى ذلك في بث مباشر على فيسبوك، لم يستطع خلاله النظر للكاميرا، وأطلع الجميع على حالة أبيه وما أكدته الفحوصات الطبية، وتحدث والدموع تخنق أنفاسه وكلماته عن خجله من اللجوء إلى استعطاف الناس لدعمه “فأنا بشر ولدي إحساس ومشاعر، ولم أعد أستطيع التوسل، كل ما أريده هو حق أبي في العلاج”.

طبع أصيل
أبان كثيرون عن طابعهم الأصيل، وسارعوا إلى دعم طارق، حيث تبنت جمعية في فرنسا جمع التبرعات لعلاج الأب المكلوم في تركيا، واستمر طارق في مبادرات البث المباشر يتحدث للناس عن قصة أبيه من البداية، ويبرز الوثائق التي تثبت حالته، ويؤكد مجددا أن الأموال التي تجمع ستمر مباشرة من الجمعية الفرنسية إلى المستشفى التركي، ولن تلمسها يده أبدا.

طارق برفقة أبيه داخل المستشفى في رحلة العلاج الثانية بتركيا في مارس/آذار 2019 (التواصل الاجتماعي)
وخلال أيام، جمع المبلغ كاملا وكان في حدود العشرين ألف دولار، وسافر طارق مع أبيه إلى تركيا بعد منتصف مارس/آذار الجاري، والأطباء يجرون حاليا التحاليل الضرورية استعدادا للعملية التي يأمل طارق أن تكون آخر عملية جراحية يجريها أبوه.

أبوه -الذي تعب من كثرة العمليات ومن التدهور المستمر في صحته- يعيش على الأدوية والحفاظات، ولا يستطيع أن يتحرك من دون مساعدة ابنه أو زوجته، في حين طارق -الذي تعوزه الإمكانيات المادية- لم يعد باستطاعته تحمل رؤية أبيه يجري عمليات جديدة لدماغه.

طارق -الذي يبدو وكأن حياته الخاصة توقفت واهبا وقته وجهده لعلاج أبيه- لم ييأس ولم يستسلم لتثبيط محيطه بل وحتى لبعض الأطباء الذين حذروه من إجراء عملية أخرى لوالده.

ويحرص في بعض تدويناته على أن تكون رسالته للجميع “لا تيأسوا، واعلموا أن الخير، كل الخير في الوقوف إلى جانب والديكم”، أما رسالته لأبيه فقد سجلها في إحدى تدويناته على فيسبوك قائلا:

“حملتني وأنا صغير.. سأحملك حتى أموت أنا قبلك
لعبت معي وأنا رضيع.. سألعب مع الزمان لأجلك
حملتني على ركبتيك.. سأحملك على ظهري وأطلب من الله أن يشفيك، وإن كان الثمن روحي وحياتي، لأنك أنت الحياة والروح يا أبي،
أحبك وأتعذب لوجعك وألمك
أحبك وإن توجعت قطعت قلبي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى