لا أحد يستطيع أن ينكر ان الأوضاع في قطاع التربية والتعليم ليست بخير، وأن هذه المنظومة الحيوية تعاني من الهشاشة وسوء التدبير وانعدام المسؤولية لدى جل المتعاقبين على القطاع منذ سنوات طوال.
ويرى المتابعون للوضع التعليمي بالمغرب أن الأمور تزداد تأزما سنة بعد أخرى، ولعل التقارير الدولية الرسمية خير دليل على ذلك، حيث يصنف المغرب دائما في مؤخرة الترتيب دون أدنى إعتراف بهذا الفشل الذريع و دون أي تحمل للمسؤولية من طرف الدولة، وما يزيد الطين بلة هو غياب إرادة حقيقية لإصلاح هذا القطاع الحيوي الذي يعتبر من بين القطاعات الإجتماعية التي لوحظ عزم الدولة على خوصصتها تنفيذا لإملاءات مؤسسات مالية خارجية ، إضافة إلى الإرتجالية والعشوائية في تدبير القطاع.
ومما لا شك فيه أن مشاكل التعليم بالمغرب تفاقمت لحد يدعو إلى القلق ولم يعد بالإمكان تجاهلها وتزييف الواقع وأصبح من المستحيل الهروب إلى الأمام ، في قطاع لم يعد يستحمل مزيدا من الأوجاع، قطاع أنهكته السياسات الفاشلة و القرارات الأحادية التي أجهزت على مكتسبات الشغيلة التعليمية،
لعل من أهم المشاكل التي انضافت إلى رفوف وزارة التعليم والتي غيرت صورة القطاع وكشفت اختلالاته المتراكمة منذ سنوات ،هو مشكل التعاقد الذي طفى على السطح مؤخراً، هذا النوع من التوظيف الهش الذي بدأت تنهجه الدولة منذ 2016 ،نظام وظيفة جاء نتيجة تدخل خارجي يرمي إلى خوصصة التعليم و الحد من مجانيته والتقليص من تكاليف الدولة على القطاع، هو مخطط فاشل سيضرب لا محالة في الإستقرار المهني للأستاذ،ويجعله أجيرا لدى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين محروم من الحقوق التي يتمتع بها نظيره التابع لنظام الوظيفة العمومية، فعوض أن تفكر الحكومة السابقة في حلول جذرية لما آلت إليه الأوضاع، ابتكرت التعاقد الذي يزيد المشاكل ضخامة ويكرس للعبودية والهشاشة ولا يضمن الاستقرار المهني للأساتذة، ولعل رفض الجميع لهذا التوظيف جملة وتفصيلا( نقابات وهيئات حقوقية ومجتمع مدني …) يكشف فشل هذا القرار ، وقد أحدث هذا النظام تمييزا وتفييئا داخل الجسد التربوي بالمغرب حيت ينقسم الأساتذة الآن إلى فئتين، الأساتذة الرسميون والأساتذة المفروض عليهم التعاقد ، هذه الفئة التي تتشكل من عشرات الآلاف (55000 ألف أستاذ ممارس و15000 أستاذ متدرب) كلهم يرفضون التعاقد ، وشرعوا في الإحتجاح منذ السنة الماضية وعازمون على الدفاع عن حق الشعب المغربي في تعليم جيد ومجاني ومواصلة النضال ضد هذا التعاقد إلى حين إسقاطه وإدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية.
الجميع يجمع اليوم أنه على جميع الفاعلين تجنيد كل الإمكانيات المادية والبشرية للنهوض بهذا القطاع الأساسي، وقطع الحبل مع السياسات الفاشلة التي لطالما خلقت احتقانا خطيرا في الأوساط التعليمية حيت عمت الإحتجاجات جميع الفئات من أساتذة ومدراء ومفتشين.. آن الأوان لتصحيح الوضع وخير ما يمكن فعله للرقي بالتربية و التعليم في بلدنا هو الإهتمام بالموارد البشرية وإيلاء عناية خاصة بالأطر التربوية وعلى رأسها الأستاذ الذي يشكل اللبنة الأولى في المنظومة ككل، فالدولة مطالبة بتوفير التكوين الجيد والمستمر لكل ممارسي وممارسات هذه المهنة النبيلة، و الظروف الملائمة للإشتغال و ضمان الإستقرار المادي والإجتماعي والوظيفي للأستاذ بغية القيام بمهامه على أحسن وجه، و مساعدته على تطوير الذات وتطوير آليات الإشتغال والإستفادة من تجارب الدول الرائدة في المجال.
إن تعليمنا بالمغرب يعاني من مشاكل لا حصر لها، مشاكل ليست بالعويصة بل تحتاج فقط لإرادة قوية وسياسات ناجعة تضع في الحسبان الظروف الإقتصادية و الإجتماعية وكذلك المادية للمغاربة، حان الوقت إذن للوقوف على نقط الضعف ورصد مكامن الخلل في قطاع التعليم بالمغرب وإشراك الجميع في إيجاد مخرج لهذه الأزمة الخانقة التي تهدد مستقبل الأجيال الصاعدة.
* مريم نوعامي – أستاذة فرض عليها التعاقد