لا تنشر هنا

احفظوا كلمة “هواوي” لتشرحوا لأحفادكم عن خسارة الولايات المتحدة

جديد24 - غلين فورد الرئيس التحرير التنفيذي لـ"بلاك أجيندا ريبوبرت"

تعهد حكام الولايات المتحدة بأن التكنولوجيا ستُعيد ملايين الوظائف التي نُقلت إلى الدول ذات الأجور المنخفضة، لكن البلاد خسرت السباق التكنولوجي وتتفوق، فقط، في سباق التسلح.

وإن لم تتمكن من نطق كلمة “هواوي”، فلن تستطيع أن تشرح لأحفادك في المستقبل كيف خسرت الولايات المتحدة سباق التفوق التكنولوجي على سطح الكوكب، وهو آخر منافسة غير عسكرية مع الصين، كان للرأسمالية الأميركية احتمال الفوز بها.

لقد أصبحت الدونية المتأصلة للنظام الفوضوي الذي تقوده الولايات المتحدة جليّة الآن، حتى بالنسبة لدونالد ترامب الأحمق، الذي تراجع منذ ثلاثة أشهر عن منع الشركات الأميركية من التعاملات التجارية مع شركة “هواوي” الرائدة عالميًا في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس (5 جي).

وقال ترامب، في تغريدة كتبها على موقع “تويتر” في شباط/ فبراير الماضي، إنه يريد من الشركات الأميركية أن تفوز بسباق الاتصالات فائقة السرعة عن طريق المنافسة، و”ليس عن طريق حجب التقنيات الموجودة والأكثر تقدما”، في إشارة إلى “هواوي”. وأضاف “يتعين على الشركات الأميركية تكثيف جهودها، أو أنها ستبقى خلف الدول الأخرى. وما من سبب يبرر تخلّفنا”، مع ذلك، فمن المتوقع أن يوقع ترامب على أمر حظر “هواوي” قريبا، بعد أن يئس من جعل التكنولوجيا المتقدمة في الولايات المتحدة “عظيمة مرّة أخرى”، بالوسائل السلمية. والحرب هي آخر بطاقة رابحة للولايات المتحدة.

وبات كسوف تقنية الجيل الخامس في الولايات المتحدة الناجم عن التقدم الصيني، أمرًا حتمًيا، فهو يتجذّر في النظام (الفوضى) الاقتصادي الإمبريالي في الأولى. فبرغم اختراع الولايات المتحدة للإنترنت كمنتج ثانوي للتكنولوجيا العسكرية، فإن تقدمها التكنولوجي المُبكر في العالم، بُدّد في لعبة الشركات الرأسمالية الفوضوية الإجرامية وعديمة الجدوى المتمثلة في الحصول إمّا على كل شيء أو لا شيء على الإطلاق.

وكما ذكرت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” في أحد مقالاتها التي نُشرت، مؤخرًا، تحت عنوان “كيف انتقلت الولايات المتحدة من قيادة قطاع الاتصالات إلى خسارة معركة الجيل الخامس التي تُسيطر عليها ’هواوي’ دون منازع؟”، فإن الولايات المتحدة رفضت وضع معايير وطنية لمزودي الشبكة التابعين لشركات المحمول، ما أتاح للشركات التكنولوجية حريّة الاختيار بين الشبكات اللاسلكية المختلفة، مثل “النفاذ المتعدد بتقسيم التردد” (TDMA)، و” النفاذ المتعدد بتقسيم الترميز” (CDMA)، و”النظام الشامل للاتصالات النقالة” (GSM).

ومنذ عام 1987، وهو بالمناسبة عام تأسيس “هواوي”، أيضًا، فرضت أوروبا على جميع أنظمتها اللاسلكية استخدام معيار GSM. لكن الأميركيين سمحوا لشركاتهم بالمجازفة بمليارات الدولارات ومئات آلاف الوظائف المتنافسة على أنظمة الهواتف المحمولة المتبارية. وأدى إلغاء القيود المفروضة على الاتصالات السلكية واللاسلكية الأميركية في عام 1996 إلى زيادة تأجيج صخب الرأسمالية عالية التقنية. وقال المحلل في قطاع الاتصالات، توماس ج. لوريا، وهو موظف سابق في “إيه تي آند تي“، ومؤلف كتاب “انهيار الاتصالات”، إن الولايات المتحدة كانت مثل “الغرب المتوحش” في تلك الفترة، فقد “تمكنت أوروبا من إدارة نفسها بشكل متاخم أكثر من الولايات المتحدة، فلم تكن لديها شبكات متباينة متعددة، واختارت معيار [GSM] الذي كان يجب على جميع دولها الموافقة عليه”.

وتناحرت شركات التقنية العالية الأميركية في ما بينها متجاهلة معيار GSM، ومراهنة على أنه بمجرد فوز إحداها بالسيطرة على الحصة الأكبر من السوق، ودفع الشركات المنافسة للإفلاس أو الاندماج بها، فإنها ستصبح في أعلى سلم الاحتكار الرأسمالي، وبالتالي، سيقوم النفوذ الأميركي العالمي بدفعها إلى القمة في العالم.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة “نورثستريم”، بنجت نوردستروم، وهي شركة استشارية مقرها في ستوكهولم، إن الفترة الممتدة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي وحتى أولى سنوات الألفية، كانت بمثابة “وقت ضائع” في صناعة الهواتف النقالة في الولايات المتحدة. وفي ميدان التكنولوجيا، فإن مدّة كهذه تُعادل مدى الحياة. ولن يسمح صعود الصين للولايات المتحدة بامتياز إعادة إحياء تكنولوجيتها الإمبريالية.

ولا تنتهي القصة هنا، لكن دعونا نتوقف هنا قبل أن يبدأ بعض قرائنا الأميركيين بالحداد على فقدان الوظائف ورأس المال الذي نتج عن تراجع الولايات المتحدة عن التفوق في قطاع التكنولوجيا، وهو بمثابة الهامش التنافسي الذي كان يُفترض به أن يعوض عن الاستعانة المنهجية بمصادر خارجية للإنتاج والتصنيع في بلاد الأجور المنخفضة جنوبي وشرقي الكوكب، بما في ذلك الصين.

فقد قيل للأميركيين خلال التسعينيات ألا يقلقوا، لأنه سيتم استبدال تلك الوظائف الصناعية البالية (التي انتقلت إلى الدول ذات الأجور المنخفضة)، بموجة توظيف في قطاع التكنولوجيا العصري، والمُربح بأجوره العالية لكل شخص مستعد لتعلم مهارات جديدة مثل برمجة الحواسيب وكتابة الشيفرات. لكن سرعان ما اكتشفوا أن معظم هذه الوظائف سيتم الاستعانة بمصادر خارجية لملئها أيضا، أو استيراد مختصي التكنولوجيا ذوي الأجور المنخفضة من جنوبي وشرقي العالم أيضا. لذا، فالتكنولوجيا ليست العلاج لأمراض الرأسمالية الأميركيّة. وفي صياغة أُخرى للعبارة الشهيرة، فإن المشكلة “بالنظام، يا غبي“.

في ظل المرحلة الحالية للرأسمالية، تُعد التكنولوجيا المتقدمة أداة للاندماج الاقتصادي الشركاتي المتسارع، والاحتكار، وتهميش العمال. وعلى سبيل المثال، يشن الملياردير الأميركي جيف بيزوس، المسلح بأدوات التكنولوجيا المتقدمة، حرب إبادة ضد تجارة التجزئة، وهي إحدى آخر أكبر قطاعات التوظيف الاستيعابي الجماعي المتبقية في الولايات المتحدة، في حين تُعلن الألغاركية (الأقليّة) الرقمية المتبقية، يوميا، نيتها العلنية بنشر “إنترنت الأشياء“، معتمدة بذلك على تقنية الجيل الخامس، ما قد يقضي على الكثير من الوظائف المتبقية. ويخطط أثرياء “وادي السيليكون” لإنشاء عالم قليل العمال، حيث يحكم أصحاب التريليونات من ممتلكي الشركات التكنولوجية.

وسيتم دفع أدنى الأجور للجماهير، لتوفر لهم كفاف يومهم، ليدفعوا ثمن الاتصال التكنولوجي بالشبكات التي تراقبهم وتضللهم. وهذا هو أقل مصير للأفق الديسوتوبي الذي ينتظرنا في ظل الرأسمالية المعاصرة. وفي الولايات المتحدة العنصرية، فإن أحفاد أفريقيا، سيعانون السيناريو الأسوأ لذلك.

وبصفته الرئيس التنفيذي للنظام (الفوضى) الرأسمالي الأميركي، سيحاول دونالد ترامب “جعل أميركا عظيمة مرة أخرى” من خلال الخطوتين الوحيدتين المتبقيتين في ترسانة الإمبريالية، وهما الإكراه العسكري والدولار المسلح. كما أن ديمقراطيي الشركات الذين يأملون بالفوز على ترامب في الانتخابات المُقبلة، سيراهنون على الصواريخ والعقوبات ذاتها للتفوق، ملقين باللوم على الاقتصاد الصيني المُخطط، بسبب تناقضات الرأسمالية الأميركية المتراجعة.

وكلا الحزبين التجاريين (الجمهوري والديمقراطي) يضعان المسامير ذاتها في نعش الولايات المتحدة والعالم. وهناك مهرب وحيد من ذلك، وهو الإطاحة بحكم الأغنياء. ففي عصرهم، لم تعد الولايات المتحدة “الأعظم” في أي شيء سوى السجن الجماعي، وتكديس أسلحة الدمار، وصيانة نظام المراقبة العالمي الذي يسمع ويشاهد الجميع عبر هواتفهم وأجهزتهم المحوسبة الأخرى.

وكما ذكر محلل أخبار روسي، في موقف مثير للاهتمام بشأن كسوف الولايات المتحدة في سباق الجيل الخامس، فإن “المراقبة الأميركية الشاملة لكل شخص خارج الولايات المتحدة أصبحت في مشكلة خطيرة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى