ثقافة وفن

مهرجان مكناس وهوية السينما العربية

بقلم:د. وليد سيف

فى الفترة من 15 وحتى 20 يونيه أقيمت الدورة الأولى لمهرجان مكناس للسينما العربية، حيث احتضنت المدينة العريقة التى كانت أول عاصمة للعلويين بالمغرب مجموعة من كبار الفنانين والنقاد من مختلف أنحاء الوطن العربى، واختارت مصر كضيف شرف للدورة الأولى، وبوفد كبير، باعتبارها صاحبة التاريخ السينمائى الأعرق والحاضر الذى مازال الأكثر انتشارا وجذبا للجماهير العربية، وفقا لما ذكرته الوزيرة الفنانة ثريا جبران الرئيس الشرقى للمهرجان فى كلمتها الافتتاحية التى كانت تفيض حبا وتقديرا للسينما والفن المصرى.
وفى الحقيقة يندر فى عالمنا العربى مهرجان متخصص فى السينما العربية باستثناء مهرجان وهران فى الجزائر وهذا بالطبع باستثناء مهرجانات السينما العربية التى تقام خارج الوطن ومنها مهرجان مالمو بالسويد، بينما يواجه تحقيق مهرجان متخصص فى الفيلم العربى على الأراضى العربية عقبات ومعوقات هنا وهناك، بل إننا حتى فى مصر لم نستطع أن نقيم أى مهرجان مماثل حتى الآن على الرغم من تزايد مهرجاناتنا وتنوع تخصصاتها، ومن العجيب أن يكون لدينا مهرجانا للسينما المتوسطية وآخر للأفريقية بل وثالث للأسيوية دون أن يكون لدينا مهرجانا للسينما العربية.
والحقيقة أيضا أن طموح مهرجان مكناس لا يتوقف عند حدود إقامة فعاليات ناجحة بتنظيم جيد، ولكن يمتد إلى رغبة عميقة نحو إحالة مدينة مكناس إلى منطقة جاذبة لصناعة وإنتاج وتصوير الأفلام، وهو ما يبدو واضحا فى كلمات رئيسه أستاذ التصوير بالمعهد السينمائى بالرباط حسن الروخ ومديره الممثل الكبير إدريس الرخ وفريقهم المتعاون من سيدات ورجال وشباب مكناس، وهو ما يتجلى أيضا فى ندوات المهرجان الرئيسية حول الهوية فى السينما العربية وقضايا الإنتاج المشترك العربى.
وربما تتكرر نفس المحاور فى مهرجانات أخرى كثيرة، ولكن ما هو متميز فى هذا المهرجان هو سعيه بقوة نحو تحقيق هذه الفعاليات بمنتهى الجدية وبالتركيز الإعلامى والحضور المكثف لكبار النقاد والسينمائيين على رأسهم نور الدين الصايل مؤسس النهضة السينمائية المغربية الحديثة ومنهم حسن ناريس ومحمد شويكه وغيرهم، وكل منهم لديه رؤى واضحة لتحقيق هذه الأهداف تجلت عبرمناقشات موضوعية ومصارحة كاشفة بين جميع الأطراف، والخروج بتوصيات عملية ومهمة منها المخاطبة المباشرة للمستثمرين ورجال الأعمال والمؤسسات الثقافية لإقامة صندوق لدعم مشروعات الأفلام التى تكرس للهوية العربية ولتمويل أفلام مشتركة، وأيضا بإقامة ورش لصناعة الأفلام لشباب السينمائيين العرب والهواة لتكون الفعاليات أقرب لمعسكر عمل دائم وتفاعل مستمر بين أجيال السينما الجديدة فى الوطن العربى، لتنمية روح التعاون بينهم ولتنصهر مشروعاتهم جماعيا لإنشاء قاعدة جديدة من أجيال صناعة الفيلم فى مختلف التخصصات يدركون قيمة العمل العربى المشترك فى مجال الفيلم ويسعون نحو تحقيق أفلامهم بالتعاون معا.
وعلى جانب أخر استطاع المهرجان أن يقيم منافسة قوية بين مجموعة من أقوى الأفلام العربية المنتجة حديثا، منها الفيلم السورى أمينة الذى نال عنه أيمن زيدان جائزة أحسن إخراج واللبنانى يوم بيروت لنديم ثابت والمغربيان طفح الكيل لمحسن البصرى ونذير لكمال كمال، الذى نالت بطلته جيهان كمال جائزة أفضل ممثلة، والعراقى تورن لنوزاد شيخانى الذى اقتنص الجائزة الكبرى وكذلك الفيلم المصرى ليل خارجى لأحمد عبد الله الذى منحته اللجنة جائزة السيناريو والذى عرض كافتتاح لأفلام المسابقة، كأحد مظاهر الاحتفاء بالسينما المصرية التى تشكل وفدها من أكثر من 20 عضوا وشمل أيضا تكريم بوسى ومحمود قابيل وعمرو سعد، كنجوم من مختلف الأجيال المصرية، كما شملت التكريمات النجمين العربين الكبيرين سيد أقومى من الجزائر ومحمد مفتاح من المغرب.
من ضمن فعاليات المهرجان أيضا ورش للسيناريو والتصوير وصناعة الفيلم الوثائقى وكلها تميزت بالجدية وانتظم فى حضورها عشرات الشباب من مكناس، وكذلك ماستر كلاس للمخرج كمال كمال حول تجربته كمخرج فى إعداد موسيقى الفيلم، ولنور الدين لخمارى حول تجربة الثلاثية الفيلمية ،كما تمتعت عروض الأفلام والندوات بحضور جماهيرى قوى أثبت أن المدينة بها حالة من التعطش للفن والثقافة السينمائية، خاصة مع حرص المهرجان على عرض مجموعة من روائع أفلامنا المصرية منها الاختيار وانتبهوا أيها السادة وأرض الخوف ومولانا إلى جانب بانوراما السينما المغربية بأفلام الفراشة وأفراح صغيرة ودلاس وفى بلاد العجائب.
كما تمكن المهرجان وفى دورته الأولى من أن يقيم تؤمة ويوقع بروتوكولات تعاون مع ثلاث مهرجانات عربية عريقة وهى الإسكندرية والأقصر ومسقط بحضور رؤسائهم الأمير أباظة وعزة الحسينى وقاسم السليمى وكمؤازة قوية لهذا المهرجان الوليد.
ضمت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للفيلم الروائى الطويل مجموعة من كبار السينمائيين العرب وبرئاسة الفنان المخرج محمد الزوادى من البحرين ومنهم المنتج قاسم السليمى المدير التنفيذى لمهرجان مسقط والمخرج الفلسطينى عز الدين شلح وقد أثار غياب عضو مصرى من الدولة المكرمة بلجنة التحكيم تساءلات البعض ولكن حسن الروخ أجاب بأنه حرص على ألا يكون هناك عضوا باللجنة ينتمى لدولة أحد الأفلام المشاركة فى المسابقة باستثناء الدولة المضيفة وهو تقليد نادر ولكنها وجهة نظر جديرة بأن تحترم، خاصة وقد جاءت الجوائز معبرة بنزاهة وموضوعية عن قوة اللجنة وحياديتها.
من المؤكد أن مهرجان مكناس تجاوز الكثير من الأخطاء المعتادة فى الدورات الأولى وبدى وكأنه مهرجان عريق يمتلك الرؤيا ووجهة النظر ولديه فريق عمل قادرعلى التنظيم بجدارة ليصبح لدينا فى داخل وطننا العربى مهرجانان للسينما العربية ونتمنى أن تضيف لهم مصر فى القريب العاجل مهرجانا ليشارك ثلاثتهم بالفعل فى التوجيه والدفع والتمويل لسينما تحمل الهوية العربية، ولتعيد الأمل فى تقديم إنتاج عربى مشترك فى ظل آلية مستمرة ومستفيدة من الطاقات الفنية السينمائية فى مختلف أنحاء الوطن العربى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى