لا تنشر هنا

من هو سعيد بنجبلي أو “متنبي” العصر؟

 

صراحة لم يتفاجأ الكثيرون ممن يعرفون “سعيد بنجبلي”، بخرجته التواصلية الأخيرة والتي أثارت الكثير من ردود الفعل إختلفت شدتها فبين متهم للمغربي المقيم بالولايات المتحدة بالخبل وربما الجنون، وبين آخرين رأوا فيها سعيا متواصلا بدأ منذ مدة بحثا عن الشهرة وعن البوز في زمن “الإكش وان إكنوان”. 

سعيد والذي يؤكد في فيديو نشره على الفيسبوك، أنه رسول، متحدثا عن يوم قيامة قريب، بل ومحددا له يوم الجمعة المقبلة موعدا، حيث سينزل سيدنا قدر أو الهاتر كما يسميه سعيد بلكنته الدكالية… حيث نهاية العالم، وتخليد عالم جديد، ينزل فيه “الله” إلى الأرض ليعلن بداية حياة أبدية جديدة، لا حرب فيها ولا قتال، مؤكدا أنها حياة بطعم السعادة. بن جبلي تحدث بعد ذلك عن “انهيار الإقتصاد الحالي”، حيث قال عبر تدوينة نشرها عبر حسابه الفيسبوكي : “من أراد استثمارا آمنا فليستثمر معي، لقد ابتكرت نظاما استثماريا لا ينهار، و سأعوض به نظام البورصة الحالي، كلما استثمرتم معي مبكرا كلما تضاعفت أموالكم أكثر، سأخبركم عن نظامي بعد بضعة شهور أو بضعة أسابيع، أردت أن أبشركم وأحذركم فقط، نظامي ليس جاهزا بعد، لكنه سيكون جاهزا قريبا، سينتهي عهد موجات الركود الاقتصادي المفتعلة لسرقة أموال الضعفاء”.

سعيد بن جبلي ذو الأربعين عاما، رأى النور بمنطقة اولاد فرج بالجديدة، وعكس صورته اليوم فسعيد كان له مسار ديني بامتياز لما يناهز 25 عاما، أو كما سماه في مناسبات سابقة ب” الشمتة”، ما يشير له في تدوينات ساخرة من قبيل:” عزيزتي الفتاة متحسيش بالشمتة إلا ضحك عليك حبيبك شي شهور راني 25 عام والله كيضحك عليا» .. المهم، سعيد الذي حفظ ما تيسر من القرآن في سن مبكرة، تمكن من إحراز أول نقطة على صعيد اقليمه خلال المستوى الابتدائي، لينتقل نحو الجديدةمن أجل متابعة دراسته الإعدادية وهناك سيتأثر بأحد أساتذته السلفيين الذي اتخذه قدوة، حيث تبنى مواقف رافضة لنمط الحياة المعاكس ظاهريا لما كان عليه السلف “الصالح”.

بعد انتقاله للمرحلة الثانوية حيث درس الهندسة الكيميائية، حاول “السلفي الصغير” ممارسة الدعوة على طريقته بين صفوف زملائه، من خلال عقد جلسات للوعظ، وإعداد مجلة حائطية، مع العناية بمكان الصلاة مما سمح له بالاحتكاك مع مختلف التلاميذ انطلاقا من حسه التواصلي العالي الذي ستتحدد ملامحه أكثر في محطاته التالية.

خلال عامه الثاني بالثانوية، أصبح عنصرا فاعلا من خلال استقطاب المزيد من التلاميذ لفكر جماعة العدل والإحسان التي انخرط في صفوفها، عبر حوارات ثنائية أو إلقاء خطب بين صفوف التلاميذ مع تنظيم خرجات ترفيهية وتعليمية تسمح له ببسط أفكاره بطريقة أسهل.

ورغم تكوينه العلمي، اختار بعد حصوله على البكالوريا التخصص في الدراسات الإسلامية بجامعة شعيب الدكالي، حيث مكنته حركيته ونشاطه من تولي مهمة الإشراف على شؤون طلبة العدل والإحسان بالكلية، مع الإشراف على قطاع الشباب بالدائرة السياسية للجماعة إلى جانب مهام أخرى تتعلق بالمجال الإعلامي تماشيا وميولاته نحو الكتابة في سن مبكرة.

التدرج في المهام كان خطوة للاحتكاك بقيادات الجماعة، وهنا كانت بداية الاصطدام بواقع آخر كان مغيبا عن “سذاجة” الشاب المثالي الذي يرى في قياداته كائنات نورانية منزهة عن الخطأ، ومرفوع عنها الحجاب في علاقة خاصة مع أهل السماء “حيث النبوءات والأحلام” القادرة على توجيه البلاد والعباد، «بدأت ألاحظ أمورا ما خطرت على بالي أبدا،فقد رأيت منهم المناورات الماكرة اتجاه بعضهم، وتزوير التقارير وتهميش الكفاءات وهوس الرؤى .. وعدم الجدية في خدمة الناس ..» يقول العدلي السابق خلال إحدى حواراته.

الانتقال نحو فاس لدراسة القانون والشريعة كان فرصة للقطيعة المتدرجة مع الجماعة وفكرها، ومحاولة للعثور على منهج توفيقي يقدم إجابات عقلية دون الخروج عن دائرة التوجيه الإسلامي .. إلا أن رحلة البحث في المجال الديني بدأت تبتعد بالباحث “السلفي” عن تقديس الرعيل الأول الذي انتقل من توصيف القداسة إلى شن هجومات شرسة لا يتردد صاحبها في مهاجمة الذات الإلهية بتهكم، حيث تحول العرش إلى ” عمارية”، والصحابة إلى “هيوش دمويين”، والجهاد إلى “رحلة بحث عن الطروفة والفلوس”، و الوحي إلى “هلوسات وتأليفات”، والخلفاء إلى ” انتهازيين” … واللائحة طويلة من التوصيفات والتعليقات التي يسردها “الإسلامي المعتزل” عبر فيديوهات مباشرة تتناول قضايا خلافية ووجودية باللغة الدارجة والأسلوب الساخر مستفزا عددا من المتابعين، إلى جانب سرد عدد من المعطيات التاريخية والفقهية والعقدية.

الشاب والذي عرفته شخصيا كصحفي بالرباط، متسربلا حينها بلباس المدون، ثم محررا فيما بعد بموقع مغارب.كوم، وناشطا بحركة 20 فبراير، بل وصنفته مجلة اكسبريس الفرنسية ضمن “المائة شخصية الذين يحركون المغرب” في عددها لنهاية سنة 2010.، قبل أن يشد الرحال لبلاد العم سام أول مرة بدعوة من الخارجية الأمريكية، في إطار برنامج الزائر الدولي للقيادات، والمخصص للحوار بين الأديان، حيث اطلعت – يقول بن جبلي – على عدة أديان لم أسمع بها من قبل، وتفتحت أمامي آفاق جديدة في البحث، حيث اتجه الطالب الشاب صوب التاريخ رابطا مصريه القديم بالديانات الإبراهيمية، ما يعلق عليه متنبينا بالقول: “كانت الوقائع صادمة جدا، لقد وجدت قصة موسى الحقيقية التي تجاهلها المؤرخون العلمانيون لعدم اهتمامهم بالروايات الدينية، وتجاهلها المتدينون لعدم إيمانهم بالحقائق التاريخية واعتبار مصادرهم اللاهوتية في مستوى المصادر التاريخية، ورأيت أصولا لقصة سلميان وداوود وطالوت قد حدثت بعقود على الأراضي المصرية قبل أن ينقلها اليهود على كتابهم المقدس. لقد كانت الشواهد واضحة جدا، الأديان تنقل من التاريخ وتضيف بهاراتها الخاصة وما تسميه معجزات. لكن إيماني قادني لمقاومة الأدلة، لقد دفعني إيماني إلى الدفاع عن القرآن أمام التاريخ، كانت المحاكمة مرهقة وشاقة، وكنت المحامي والقاضي والخصم، لا أحد يساعدني، لا أحد ينزل معي إلى العمق الذي تعمقته في البحث وفي التأمل وفي التحقيق، حتى كدت أفقد عقلي تماما في سبيل إيماني، لولا التوقف عن البحث.

وعن رحلته من التدين إلى اللاتدين يقول بنجبلي: “كان عقلي المؤمن يتلقى الضربات تلو الضربات، لكنه كان يقاوم، وفي يوم ما، وعلى حين غفلة اكتشفت أنني فقدت الإيمان، لكن عقلي لا يزال معي سليما. فانفتحت أمامي آفاق جديدة للبحث، وصرت أرى الأمور بمنظور مختلف، وأنفتح على فرضيات جديدة كنت أرفضها من قبل بسبب إيماني. كان كل شيء واضح وضوح الشمس. والدين مجرد خدعة”.  ليواصل: “أحب أن أوضح أنني لست ملحدا، فأنا أعتبر نفسي مسلما غير مومن، فالإسلام مسألة ثقافية تلتصق بالإنسان شاء أم أبى، فقد يكون دمي أمازيغيا لكنني أحمل اسما عربيا بسبب انتماء قومي للإسلام، كما أنني أحمل بصمة الإسلام على جهازي التناسلي، إن انتمائي للإسلام لم يكن طوعيا أو واعيا، ولا يمكنك الخروج من شيء لم تدخله أصلا، كما أنني لا أنكر وجود الإله ولا أومن بوجوده، فإن كان موجودا فلن يكون إله المسلمين بالطبع. وإن كان غير موجود فما الداعي لتوصيفي بصفة الإلحاد؟”

فلاشات حاولنا من خلالها التعريف بمتنبي عصرنا، لفهمه أكثر، وحاولنا في هذا السياق التواصل معه بمقر إقامته بالولايات المتحدة، حيث عرضنا عليه الإجابة عن بضع مت أسئلتنا، أظهر ترحيبا بالبداية واستعدادا للتعاون، لكن بمجرد اطلاعه على بعض من أسئلتنا، تراجع متضرعا  بالإرهاق….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى