تربية وتعليمجديد24سلايدر

لماذا “يُشَـيْـطَـنُ”التعليمُ الخصوصيُّ؟

المراسل التربوي

لا يسع المتتبع للأحداث إلا أن يتفاجأ عن الدوافع التي أحالت التعليم الخصوصي موضوعا اعتلى قائمة المواضيع اهتماما ونقاشا، فكيف أضحى هذا القطاع مثار جدل، زادته “كورونا”، وما فرضته من تعليق الدراسة الصفية منذ منتصف مارس 2020 حدة؟
لا مشكلة أن يحظى التعليم الخصوصي بنقاش مجتمعي، ما دامت التربية والتعليم شأنا مجتمعيا، لما يضطلع به ن أدوار حيوية في تأهيل الأجيال وإعدادها لتكون لبنة بناء صالحة وحجر زاوية نماء المجتمع وتماسكه؛ لكن أن يتحول التعليم الخصوصي إلى قضية مؤرقة للبال، مهددة للتماسك المجتمعي، فهذا أمر غير مقبول يجب تصحيحه، وإلا من المستفيد من “شيطنة” قطاع لا يمكن اختزال وظائفه في واجبات التأمين والتمدرس.
لعل من المفارقات العجيبة، هو هذا التصنيف الذي يدرج فيه اليوم التعليم الخصوصي، حيث تجمع كل مؤسساته في سلة واحدة عنوانها: ابتزاز الأسر والسعي للاغتناء غير المشروع من خلال الاستثمار في تواضع أداء المدرسة العمومية، وكيف كان التعليم الخصوصي رافدا من روافد مقاومة الاحتلال، حيث سارعت ثُلّة من الوطنيين لإحداث مؤسسات تعليمية خاصة تسعى لتكريس الهوية الوطنية، مقابل مدرسة الاحتلال التي تسعى في تقدير الوطنيين لسلخ أبناء الشعب عن هويتهم ومنظومة قيمهم.
إن التعليم الخصوصي فاعل رئيس في قطاع التربية والتعليم في جميع البلدان، ونجاحه لا يرتبط دائما بفشل التعليم العمومي، وإنما بما يقدم من خِدْمات تروم التجويد، ما دام يحتكم في النهاية لمنطق العرض والطلب في إطار تنافسية شديدة، تراهن على جودة العروض التربوية وتحتكم إلى النتائج التحصيلية ونيل الشهادات بأعلى المعدلات، بل إلى مستوى تأهيل المتعلم وبناء شخصيتهامتلاكا لمؤهلات تواصل تفتح آفاق التميز الدراسي والمهني.
إن التعليم الخصوصي مؤسسة خِدْماتية وفق دفتر تحملات واضح في علاقته بالسلطات الوصية على القطاع، ووفق توافق مع الأسر بناء على نوع الخدمات وجودتها، مقابل مستحقات مالية معلومة مُسبقا، في إطار منطق السوق القائم على التنافس.
إن الاستفادة من خدمات التعليم الخصوصي اختيار للأسر، ينظمه تعاقد بين المؤسسة والأسر، ومتى بدا أن خدمات هذه المؤسسة التعليمية الخصوصية أو تلك لا تفِي بالتزاماتها المتعاقد على أساسها، فليس أسهل من فسخ التعاقد والبحث عن الأفضل في السوق التربوي، دون افتعال قضايا وهمية، تجد فيها القلوب المريضة مناسبة لقصف قطاع التعليم الخصوصي بلغة التعميم ودون بينة، تخوينا للفاعلين والمستثمرين في القطاع.
اليوم، وفي ظل جائحة “كورونا”، تعالت الأصوات مستنكرة جشع أصحاب المؤسسات التعليمية الخصوصية المتمسكين باستخلاص واجب التمدرس من الأسر على الرغم من تعليق الدراسة الصفية خلال الثلاثة شهور ونصف الأخيرة من السنة الدراسية الجارية؛ جشع وحرص على استخلاص واجب التمدرس دون استحضار أي حس تضامني مع الأسر المتضررة من جراء قرار الحجر الصحي. وكما يقال: “هذه كلمة حق أريد بها باطل”، فمن طالبوا المؤسسات التعليمية الخصوصية بالحس التضامني، لم يكلفوا أنفسهم عناء التحري ليتبينوا التدابير التي اتخذت على مستوى أغلب المؤسسات، وما قامت به من مراجعات لقوائم واجب التمدرس للفئات المتضررة حقا، لا ادعاء؛ تدابير تضامنية تراوحت بين إلغاء رسوم، واجب النقل مثالا، وبين خصم نِسب معينة بحسب كل حالة من الواجب المطلوب استخلاصه من الأسر، وبين تقسيط الأداء، وبين إرجاء بحسب استعداد المعنيين بالأمر.
إن الحديث عن تدابير تضامنية تهم فئات من الأسر معلومة لدى إدارة المؤسسات، أما المأجورون مثلا والذين يتقاضون رواتبهم الشهرية غير منقوصة، ويستفيد أبناؤهم من خدمة المؤسسات التعليمية الخصوصية عن بعد، فليسوا معنيين بهذه التدابير التضامنية، وإلا من يسدد مستحقات الأطر التربوية المرابطة وراء حواسيبها، تصل الليل بالنهار لإنتاج مضامين تعليمية رقمية، انتظاما للدراسة وإنجازا للمقررات الدراسية؟
في كلمة واحدة، ودون مزايدات، لقد أفرزت الجائحة واقعا يفرض حسا وطنيا تضامنيا على الجميع، وأن يتحمل قطاع التعليم الخصوصي وحده عبء الجائحة فهو إرهاق لهذا القطاع ودفع مؤسساته لإفلاس لا يدرك مهندسو حملات استهداف التعليم الخصوصي عواقبها الاجتماعية تحديدا.
فقليلا من التروي والتعقل وحسن الاطلاع قبل تأجيج نقاشات تحاملية نيلا من مصداقية مؤسسات تعليمية خصوصي لا ينكر دورها الطلائعي إلا جاحد أو جاهل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى