المجال الجبلي بالمغرب بين التهميش المؤسساتي والحاجة إلى نموذج تنموي خاص: مقاربة نقدية مقارنة

مداخلة الدكتور امحمد أقبلي
مقدمة:
يشكل المجال الجبلي بالمغرب حوالي 21% من التراب الوطني ويحتضن أكثر من 30% من سكان البلاد【1】. ورغم هذه الأهمية الجغرافية والديمغرافية، ظل هذا المجال مهمشاً من السياسات العمومية، ما جعله يعاني من الهشاشة والتفاوتات المجالية. وإذا كان المغرب قد أطلق نموذجاً خاصاً لتنمية الأقاليم الجنوبية بميزانية تجاوزت 77 مليار درهم【2】، فإن الجبل لم يحظَ بأي رؤية مماثلة. هذا الوضع يثير تساؤلات جوهرية حول العدالة المجالية والديمقراطية الترابية، خصوصاً في ظل الخطب الملكية التي ما فتئت تدعو إلى الإنصاف ورفض “المغرب بسرعتين”
أولاً: الإشكالية التاريخية والسياسية.
منذ الاستقلال، ركّزت السياسات العمومية على الأقطاب الساحلية والمدن الكبرى، بينما بقيت المناطق الجبلية في الهامش. ويُعزى ذلك إلى ضعف النخبة السياسية الممثلة لهذه المجالات مقابل قوة لوبيات حضرية أو صحراوية.
وقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش (29 يوليوز 2025):
»لا مكان اليوم ولا غداً لمغرب يسير بسرعتين؛ مغرب نافع ومغرب غير نافع. إن العدالة المجالية ليست خياراً ظرفياً، بل سياسة عمومية مستدامة »【3】
هذا المقتطف يوضح بجلاء أن استمرار الفوارق بين المغرب “النافع” والمغرب “غير النافع” لم يعد مقبولاً، وأن العدالة المجالية أضحت التزاماً سياسياً وأخلاقياً.
ثانياً: المقاربة السوسيو-اقتصادية – مفارقة الغنى والفقر.
رغم أن المناطق الجبلية تؤمن 80% من الموارد المائية السطحية و70% من الغابات الوطنية【4】، فإنها تسجل مؤشرات اجتماعية متدنية:
الفقر المتعدد الأبعاد يصل إلى 17% في بعض المناطق الجبلية مقابل 9% وطنياً【5】
نسب الأمية تتجاوز 45 % في بعض القرى الجبلية.
% 40من الجماعات الجبلية تفتقد لمسالك طرقية معبدة【5】.
وهذا ما جعل خطاب جلالة الملك في 20 غشت 2018 (ذكرى ثورة الملك والشعب) ذا دلالة.
خاصة:
» المغاربة سواسية في الحقوق والواجبات، ولا يمكن أن نقبل أن يظل جزء من المواطنين محروماً من ثمار التنمية بسبب موقعه الجغرافي »【6】
هنا تتجسد المفارقة: مجال غني بالموارد الطبيعية، لكنه فقير من حيث التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ثالثاً: المقاربة القانونية والمؤسساتية – غياب “قانون الجبل.”
في فرنسا، أُصدر قانون الجبل (Loi Montagne) سنة 1986【7】 بعد إصلاحات اللامركزية لسنة 1982، وهو إطار قانوني متكامل خصص موارد مالية ودعماً مؤسساتياً لتنمية هذه المجالات الهشة.
أما في المغرب، فرغم وضوح الخطاب الملكي، لم يتم بعد اعتماد قانون مشابه. فقد نبّه جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2017 إلى هذا الخلل قائلاً:
» إننا لا نقبل أن تظل الفوارق بين المناطق قائمة، خصوصاً تلك التي تعاني من العزلة وصعوبة العيش في الجبال والقرى النائية»【8】
هذا الغياب يبرز محدودية السياسة التشريعية في استيعاب خصوصية الجبال، ويضعف آليات العدالة المجالية التي نص عليها الفصل 136 من دستور 2011【1】
رابعاً: غياب الجبل في البحث الأكاديمي
رغم أن المغرب يتوفر على حوالي 350 جماعة جبلية، إلا أن البحث العلمي حولها يظل محدوداً. فلا يوجد مرصد وطني للجبال، كما أن الدراسات الأكاديمية غالباً ما تركز على المدن الكبرى أو المناطق الساحلية.
وهذا الغياب العلمي يعكس بدوره إقصاءً معرفياً يوازي الإقصاء المؤسساتي، ويحول دون بلورة سياسات عمومية مبنية على معطيات دقيقة.
خامساً: جدل نقدي – بين الإقصاء والاعتراف
الإقصاء البنيوي: استثمرت الدولة تاريخياً في المدن الساحلية والحواضر باعتبارها ذات مردودية اقتصادية، فيما تُركت المناطق الجبلية للهامش بحجة ضعف العائد الاستثماري.
الاعتراف المتأخر: الخطب الملكية الأخيرة حول العدالة المجالية و”المغرب بسرعتين” تعكس تحوّلاً في الوعي السياسي الرسمي بضرورة إدماج هذه المجالات.
وهنا تطرح البوليميك (controverse): هل يكفي إدماج الجبال في السياسات الترابية القائمة، أم أن الأمر يستوجب اعتماد نموذج خاص على غرار الأقاليم الجنوبية؟
خاتمة.
إن قضية الجبل لم تعد مجرد مسألة جغرافيا، بل أضحت قضية مواطنة وإنصاف وعدالة ترابية. ومن أجل ذلك، فإن تبني الإجراءات التالية صار ضرورياً:
إصدار قانون إطار خاص بتنمية الجبال.
إحداث صندوق للتنمية الجبلية بميزانية مستقلة.
إنشاء مرصد وطني للجبال يربط البحث العلمي بصياغة القرار العمومي.
إدماج تنمية الجبال في النموذج التنموي الجديد كمحور استراتيجي.
كما جاء في خطاب جلالة الملك (عيد العرش 2025):
»العدالة المجالية ليست شعاراً سياسياً، بل حق دستوري لكل المغاربة أينما وجدوا»【3】.