لوموند الفرنسية: حين يتطاول الحبر على التاريخ… وتبقى عظمة الملك فوق الادعاءات

بقلم ذ. أقبلي محمد
مقدمة
لم تكن مقالات لوموند الفرنسية في غشت 2025 مجرّد قراءات صحفية عابرة، بل انزلقت إلى متاهة التشويه، محاوِلة صناعة صورة زائفة عن الملك محمد السادس وعن المؤسسة الملكية المغربية. لكن هذا التطاول، مهما تجمّل بواجهة إعلامية، يظل عاجزًا عن محو حقيقة ثابتة: أن الملكية المغربية مؤسسة شرعيتها راسخة في التاريخ، وهي صمام أمان الوطن، ورافعة تنميته، وبانية دولته الاجتماعية.
الشرعية التاريخية والدينية والسياسية
الملكية في المغرب ليست نظامًا سياسيا عارضًا، بل مؤسسة ممتدة في عمق التاريخ، متجذرة في البيعة التي جمعت العرش بالشعب عبر قرون. هذه البيعة ليست مجرد علاقة سياسية، بل ميثاق ديني ودستوري يقوم على إمارة المؤمنين، حيث يجمع الملك بين الشرعية الدينية كحامي الملة والدين، والشرعية السياسية كضامن لوحدة الوطن واستمرار الدولة.
وقد لخّص الحسن الثاني هذه الحقيقة بقوله أمام البرلمان سنة 1963: «إن الملكية في المغرب ليست وليدة الصدفة، بل هي امتداد لتاريخ عريق، وهي التي ضمنت للمغرب وحدته واستمراره». أما دستور 2011 فقد جاء ليكرس هذا المعنى حين نصّ على أن الملك أمير المؤمنين ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستقرارها.
الملكية وبناء الدولة الاجتماعية
منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، جعل من بناء الدولة الاجتماعية خيارًا استراتيجيًا. فأطلق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وعزز منظومة الحماية الاجتماعية، وأرسى مشاريع كبرى لتقليص الفوارق المجالية. وفي خطاب العرش لسنة 2021، أكد جلالته أن «الدولة الاجتماعية ليست شعارًا، بل مشروع وطني يقتضي تضافر جهود الجميع لترسيخ أسس العدالة الاجتماعية والمجالية».
هكذا أثبتت الملكية أنها ليست سلطة فوق المجتمع، بل مؤسسة بانية له، وحامية لكرامة مواطنيه.
إنجازات كبرى وريادة دولية
تجاهلت لوموند عن قصد إنجازات كبرى غيرت وجه المغرب:
سياسيًا وحقوقيًا: دستور 2011، تعزيز الحريات، هيئة الإنصاف والمصالحة.
اقتصاديًا وتنمويًا: ميناء طنجة المتوسط، مشروع نور للطاقة الشمسية، القطار فائق السرعة.
اجتماعيًا: تعميم التغطية الصحية، برامج الحماية الاجتماعية، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
دوليًا: حضور وازن في إفريقيا والعالم، وانخراط فاعل في قضايا المناخ والأمن العالمي.
هذه الحقائق الملموسة تكشف الفرق بين صحافة الإثارة التي تتاجر بالصور النمطية، وبين تاريخ يُكتب بالإنجازات.
سجل لوموند في التشهير الإعلامي
لم يكن الهجوم على المغرب من طرف لوموند مفاجئًا إذا ما تمعّنا في تاريخ الصحيفة؛ فهي ليست المرة الأولى التي تتورط فيها الجريدة في حملات تشهيرية انتهت غالبًا أمام المحاكم. بل يمكن القول إن لوموند راكمت عبر عقود سجلًا ثقيلاً من الانزلاقات المهنية التي أسقطت عنها صورة “الصحافة المرجعية” التي تدّعيها.
في إسبانيا، أدانتها المحكمة العليا سنتي 2011 و2014 بسبب نشرها مقالات اتهمت ناديي برشلونة وريال مدريد في قضايا منشطات دون أي سند علمي أو أدلة ملموسة، وألزمتها بأداء تعويضات مالية معتبرة. هذه الإدانة أبرزت بجلاء نزعة الجريدة إلى الإثارة على حساب المهنية.
في فرنسا نفسها، طالتها أحكام قضائية متعددة:
قضية “سويس ليكس” (2016–2019) حين نشرت مزاعم غير صحيحة بحق الممثل العالمي جون مالكوفيتش، فحكمت المحاكم لصالحه بعد سنوات من النزاع وألزمت الجريدة بالاعتذار والتعويض.
قضية مجموعة تاليس سنة 2009، حيث اتُّهمت الشركة برشاوى مزعومة عبر مقالات لوموند، لكن المحكمة اعتبرت المقالات تشهيرية لغياب الأدلة القاطعة.
قضية بيير فالكون (2012) المتعلقة بملف “أنغولا غيت”، حيث أدينت الجريدة على خلفية المساس بقرينة البراءة عبر تقديم مزاعم كأنها حقائق قضائية.
ملفات أخرى طالت الصحيفة بسبب نشرها مقالات لم تحترم أبسط قواعد التوازن الصحفي، مما جعلها موضوع متابعة قانونية متكررة بتهمة التشهير، وهو ما وثقته تقارير إعلامية وأكاديمية عديدة حول الانزلاقات المهنية للصحافة الفرنسية.
هذا التاريخ القضائي يكشف أن لوموند ليست صحيفة فوق المساءلة، وأن هجومها على المغرب لا يمكن اعتباره تحقيقًا مهنيًا أو قراءة موضوعية، بل حلقة جديدة من مسلسل التشهير الذي اعتادت عليه الجريدة. وهو ما يفرض التساؤل: كيف لصحيفة أُدينت مرارًا بسبب اختلاق الروايات أن تنصّب نفسها مرجعًا في تقييم مؤسسة ملكية ضاربة بجذورها في التاريخ؟
خاتمة: عظمة وطن – عظمة ملك
إن ما يكتبه الآخرون لن يغيّر من الحقيقة شيئًا. الملكية المغربية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي رمز تاريخي، ديني، حضاري، وسياسي. إنها الضامن لوحدة المغرب واستمراره، وهي التي تقود مسيرة التحديث والتنمية بثبات.
لقد قال جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2022: «إن المغرب يواصل مسيرته بكل ثقة، بفضل وحدة صفوفه، وتلاحم عرشه وشعبه».
وهنا يكمن الرد الحقيقي على حملات التشويه: عظمة الملك في التحامه بشعبه، وعظمة الوطن في ثقته بمؤسساته، مهما تطاول الحبر ومهما اشتدت العواصف الإعلامية.