جديد24

جيوبارك مكون العالمي: مفتاح أساسي لهندسة التنمية المندمجة بإقليم أزيلال

بقلم: كمال العشابي ، باحث في التنمية الترابية و الحكامة البيئية

في أدبيات التنمية التقليدية، غالباً ما يتم التعامل مع المناطق الجبلية كمجالات هشة ، تحتاج إلى المساعدة والدعم الاجتماعي لسد فجوات البنية التحتية. لكن التفكير (خارج الصندوق) ، يقلب هذه المعادلة رأساً على عقب؛ فهو لا يرى في الجبل عائقاً، بل يرى فيه رأسمالاً استراتيجياً. وفي حالة إقليم أزيلال، فإن هذا الرأسمال يحمل اسماً عالمياً: جيوبارك مكون اليونسكو.

إن إدراج هذا المنتزه الجيولوجي ضمن الشبكة العالمية لليونسكو ليس مجرد اعتراف شرفي أو وسام سياحي، بل هو آلية هندسية متكاملة للتنمية الترابية. فكيف يمكن تحويل هذا الاعتراف العالمي إلى مدخل رئيسي لبرنامج التنمية المندمجة (PDI) بإقليم أزيلال؟

1. من السياحة إلى اقتصاد التجارب والتراث
المقاربة التقليدية تركز على بناء الفنادق. المقاربة المبتكرة تركز على تثمين القصة الجيولوجية والإنسانية.

جيوبارك مكون يمتد على مساحة شاسعة ويضم تراثاً جيولوجياً يعود لملايين السنين (آثار الديناصورات، التكوينات الصخرية). التنمية المندمجة هنا يجب أن تستثمر في الاقتصاد الجيولوجي:

– تسويق المنتجات المجالية بهوية المجال: لم يعد الزعفران أو العسل أو الجوز مجرد منتجات فلاحية، بل تصبح منتجات جيوبارك مكون. هذه العلامة (le label) ترفع قيمتها السوقية أضعافاً، لأن المستهلك يشتري قصة مجال محمي عالمياً وليس مجرد غذاء.

– سياحة المعرفة: تحويل الإقليم إلى مختبر مفتوح للباحثين والجامعات الدولية، مما يخلق سياحة علمية مستدامة على مدار السنة، لا ترتبط فقط بمواسم الثلوج أو الربيع.

2. الجيوبارك كرافعة للبنية التحتية الذكية
بدلاً من المطالبة بفك العزلة بمفهومها الكلاسيكي، يفرض دفتر تحملات اليونسكو معايير معينة تجعل من التنمية ضرورة ملزمة.

– الطرق السياحية والمسالك: تأهيل الطرق في إطار الجيوبارك لا يفك العزلة عن السكان فحسب، بل يخلق مسارات سياحية تربط بين المواقع (شلالات أوزود، أيت بوكماز، كاتدرائية الصخور…).

– الرقمنة: التفكير خارج الصندوق يقتضي خلق جيوبارك ذكي. تطبيقات الواقع المعزز التي تتيح للسائح رؤية الديناصورات تتحرك عبر هاتفه فوق آثارها الحقيقية، تتطلب تغطية شاملة بالإنترنت عالي الصبيب، وهو ما سيعود بالنفع على التعليم والصحة في القرى المجاورة.

3. الاستدامة في مواجهة التغيرات المناخية
إقليم أزيلال هو خزان مائي للمغرب، لكنه مهدد بالتغيرات المناخية. الجيوبارك هنا يلعب دور الضامن البيئي.
برنامج التنمية المندمجة يجب أن يرتكز على فلسفة الجيوبارك في الحفاظ على الموارد:

– دعم مشاريع الطاقة الشمسية في المآوي السياحية والتعاونيات.

– تشجيع الزراعات المتأقلمة مع المجال الجبلي والمقتصدة للماء.

– التثقيف البيئي للأجيال الصاعدة، حيث تصبح المدارس جزءاً من منظومة الجيوبارك (الطفل كسفير لتراثه).
4. الحكامة الترابية والدبلوماسية الموازية
أقوى ما يمنحه جيوبارك مكون لإقليم أزيلال هو العلامة التجارية الدولية (le label territorial ).

– جذب الاستثمار: المستثمرون يبحثون عن مناطق ذات هوية واضحة. الجيوبارك يضع أزيلال على الخريطة العالمية، مما يسهل جلب تمويلات دولية (منظمات تعنى بالمناخ، التراث، التنمية القروية) قد لا تتاح للجماعات الترابية العادية.

– إشراك الساكنة: فلسفة الجيوبارك تفرض أن تكون الساكنة هي المستفيد الأول والشريك في التدبير. هذا يؤسس لنموذج تنموي ديمقراطي وتشاركي حقيقي، حيث تدير التعاونيات والجمعيات المحلية المتاحف والمواقع والمآوي.

الخلاصة: تغيير النظارة التنموي

إن اعتبار جيوبارك مكون مدخلاً رئيسياً لبرنامج التنمية المندمجة بإقليم أزيلال يعني الانتقال من منطق تدبير الفقر إلى منطق تدبير الغنى المجالي.

إنه دعوة للمسؤولين والمنتخبين والفاعلين لعدم النظر إلى أزيلال كإقليم نائي، بل كمتحف عالمي حي يمتلك كل مقومات الثروة إذا ما تم استثمارها بذكاء، برقمنة ، واستدامة. المفتاح ليس في الميزانيات الضخمة فقط، بل في الرؤية التي تجعل من صخرة عمرها ملايين السنين سبباً في ازدهار حياة المواطن اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى