جديد24

أطفال الاحتجاجات بين الخيال الافتراضي والواقع اليومي

كمال العشابي

 في خضم موجة الاحتجاجات التي تعرفها بعض شوارعنا، برزت ظاهرة جديدة تستحق التوقف عندها بجدية ومسؤولية: دخول فئات من الأطفال واليافعين إلى المشهد الاحتجاجي وهم يتصرفون وكأنهم داخل لعبة إلكترونية مفتوحة، يجرّبون فيها مشاهد العنف والكرّ والفرّ التي اعتادوها على شاشات الهواتف والحواسيب.

هذا التحول في طبيعة المشاركة يطرح خطراً حقيقياً، لأننا لم نعد أمام شباب ناضج يعي معنى التعبير السياسي أو النضال الاجتماعي، بل أمام مراهقين وأطفال يخلطون بين الخيال الافتراضي والواقع اليومي. وهنا تكمن الخطورة: في انزلاق الاحتجاج من فعل سياسي واجتماعي مشروع إلى مغامرة عابثة بأرواح صغارنا ومصيرهم.

إن المسؤولية جماعية:

• الأسر التي تغيب أحياناً عن مراقبة أبنائها أو التقليل من أثر الألعاب الإلكترونية عليهم.

• المدرسة التي لم تنجح بعد في ترسيخ ثقافة المواطنة والمسؤولية.

• الفاعلون السياسيون والمؤسسات الذين تركوا فراغاً كبيراً في التأطير والإنصات والتوجيه.

• الإعلام الذي ينجذب أحياناً إلى صور الإثارة دون تنبيه كافٍ إلى المخاطر التي تهدد هؤلاء القاصرين.

ما نعيشه اليوم يعكس بالأساس أزمة في إدماج الأجيال الجديدة في الحياة العامة. فإذا كان الكبار يحتجون بمنطق المطالب والحقوق، فإن الصغار يشاركون أحياناً بمنطق “اللعب”، وهو ما يضع مستقبلهم على المحك ويجرّ المجتمع كله نحو دائرة الخطر.

الحل في فتح قنوات جديدة للحوار والتأطير، وفي بناء بدائل حقيقية تجذب هؤلاء الصغار بعيداً عن منطق “اللعبة الخطيرة”. نحن بحاجة إلى برامج شبابية ومؤسسات تربوية وثقافية ورياضية تجعل أبناءنا يعيشون معنى الانتماء والمواطنة، بدل أن يكتشفوا الشارع كمسرح لتجارب افتراضية قد تنتهي بصدمة أو مأساة.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تفاصيل عابرة، بل إنذار صريح بضرورة حماية أطفالنا من الانزلاق، وحماية الوطن من أن يتحول احتجاج مشروع إلى فوضى يقودها من لا يقدّر خطورة ما يفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى