السياسية

الثابث والمتحول في السياق الاقتصادي العالمي وتحديات المغرب

نجيب الصومعي

 

يعرف الاقتصاد العالمي، تحولات عميقة على المستوى النظري والواقعي. فالاقتصاد الكلاسيكي ،بمفهومه المبني على العرض والطلب كآلية تلقائية للتفاعل بين المتدخلين من جهة والأسواق من جهة أخرى، يعيش سنواته الأخيرة في ظل المتغيرات البنيوية للنظام الاقتصادي لما بعد أزمة السابرايمز لسنة 2008 (crise des subprimes)، فاسحا المجال لاقتصاد مبني على المعرفة والرقمنة والاستدامة والاستغلال الكامل لوسائل الإنتاج.

وبالرجوع الى تاريخ البشرية ، فهناك أربعة ابتكارات رئيسية غيرت تطور العالم بشكل عميق: الكتابة والطباعة والتصنيع والرقمنة. اليوم ، في عالم يعاني من ندرة الموارد التي أسست ثروته ، يواجه الإنسان حاجة ملحة لتغيير النماذج. وهذا المسار، يجب أن ينبني أساسا على المبادئ الكونية الجديدة، وهي استدامة الإنتاج وتقوية الرأسمال البشري. وفي هذا السياق، يعتبر الاقتصاد الأزرق من الإبداعات الواعدة في أفق خلق تحولات على مستوى الأجندات الاقتصادية والاجتماعية، فهو اقتصاد يستلهم توجهاته من مبادئ الاقتصاد الدائري ومن المقولة الشهيرة للافوازييه “لا شيء يضيع ، لا شيء يتم إنشاؤه ، كل شيء يتحول”.

الأحداث المتسارعة التي يعرفها العالم من حروب تجارية وإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية العالمية تنذر بسنة مليئة بالأحداث، وهو ما سينعكس بشكل كبير على بلادنا، نظرا للترابط الكبير بين المنظومة الاقتصادية الوطنية والمنظومة العالمية، حيث تبلغ نسبة انفتاح بلادنا على العالم أزيد من 80٪.

إن المغرب، وهو يستعد لاطلاق إصلاح اقتصادي واجتماعي عميق في إطار النموذج التنموي، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كل التحولات العالمية والرهانات المستقبلية للنظام الاقتصادي العالمي الحديد. فبلادنا مدعوة لاهتمام بالإنسان قبل كل شيء، باعتباره الوسيلة المحورية لخلق الثروة ومصدر الاستقرار الاجتماعي الحقيقي.

لولوج المستقبل، ينبغي على المغرب تطوير “اكتفاءه العلمي” والسعي نحو ضمان الابتكار والإبداع في منظومته التعليمية من أجل الارتقاء بالمجتمع المغربي لمجتمع للمهارات والكفاءات. وذلك في إطار التحول العالمي من المجتمعات الكلاسيكية لمجتمعات ذكية ورقمية، وهنا نستحضر الذكاء الاصطناعي كرافد استراتيجي لضمان مكانة بلادنا بين الأمم الكبرى في المستقبل.
وهذا التحول، يجب أن يكون بسلطة تنفيذية، تفهم، على الأقل هذه التوجهات، مع امتلاك الشجاعة اللازمة لتبنيها والعمل على تمكين بلادنا من آليات المستقبل وخاصة في الإدارة والصحة والقضاء ومنظومة التربية والتعليم. وهنا نسجل أن جلالة الملك قد دعا لاعتماد هذه الأساليب منذ سنوات، كما نسجل غياب التفاعل الحكومي مع نداءاته، مما دفع المراقبين لتسمية عهدة الحكومتين الأخيرتين ب”السنين العجاف”.

لتحقيق الرفاه للمغاربة والتموقع الإيجابي في المستقبل، ينبغي اكتساب قاعدة اقتصادية مبتكرة ومنصة اجتماعية مبدعة، مع العمل على تقوية جودة المادة الرمادية الوطنية. لا مستقبل لبلادنا دون رأسمال بشري عالي الجودة، ينافس نظراءه في بقية العالم، ويجعل من بلادنا نقطة جذب دولية للاستثمارات المبتكرة والشركات المعتمدة على الإنسان الكفء والقادر على الابداع. هذا سر من أسرار المستقبل ومربط الفرس في اقتصاد ما بعد سنة 2030.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى