خالد مكيلبة
ظهرت في الإعلام المغربي موجة جديدة عنوانها الإبتعاد عن القضايا المجتمعية، والإهتمام بالتفاهة، حيث أصبحت معظم المؤسسات الإعلامية شغلها الشاغل هو البحث عن قضايا تافهة، تستخدم بمثابة دميات للرفع من عدد الزوار والمشاهدة وخلق البوز، مما جعل العديد من الإعلاميين المهنيين يدقون ناقوس الخطر، متخوفين من أن تتحول مهنة الصحافة النبيلة من مهمتها الحقيقية التي تتمثل في إلاخبار والتثقيف والترفيه، والدفاع عن القضايا المجتمعية والتعريف بها، والإهتمام بالقضايا التي تخدم الوطن، إلى الإهتمام وتشجيع التفاهة، وما ينجم عليها من أثر خطير على الناشئة وخصوصا الأطفال، ونحن نلاحظ كيف أصبح مجموعة من الأطفال مهووسون بمشاهدة هذه التفاهة التي يتم الترويج لها بشكل كبير.
مما جعل المشهد الإعلامي اليوم يدخل في حرب باردة، بين محترم لأخلاقيات مهنة الصحافة النبيلة، ورافض لما يروج من تفاهة لا تحترم المشاهد، وتسيء للمشهد الإعلامي المغربي الذي قطع سنوات مضيئة، لتنطفئ شمعته مع ظهور صحافة هدفها الوحيد الربح السريع وخلق البوز، من خلال شخصيات تافهة من أمثال “اكشنوان اكنوان”و “لالة نعيمة البدوية”و “شيخة طراكس”، واللائحة طويلة، والغريب في الأمر أن هذا الترويج للتفاهة لقي شعبية كبيرة، لوحظت من خلال ارتفاع نسب مشاهدة الفيديوهات التي تروج للتفاهة، والغريب في الأمر أن الرافض لما يروج في القنوات العمومية، هو المشاهد للتفاهة.
وهو الأمر الذي يبرز بوضوح الردة الثقافية والتناقض الكبير الذي أصبحنا نعيشه، أمام التراجع الخطير في نسب القراءة في المغرب سواء في الكتب أو في الجرائد الورقية، التي أصبحت مهددة بالزوال نتيجة ضعف القراءة، وهذا الضعف راجع بالأساس إلى ضعف قراءة الكتاب، مما يبرز غياب دور المؤسسات التعليمية والأسرة والإعلام والسياسة الثقافية للدولة.
فالصحافي اليوم مطالب بمعرفة جميع العلوم والبحث عن تثقيف نفسه، عسى أن يكون في المستوى المطلوب، فكيف لمتطفل أن يدخل في ميدان متشعب لا يعرف عنه سوى الإسم.
وهذا ما يبرز بوضوح تحول الصحافي من ناقل للأخبار ومحايد، إلى باحث عن من يدفع أكثر، ومسترزق خدوم لجهة ما تحركه متى تريد وكيفما تريد، وصحافي آخر هدفه مسح ولعق الأحدية، بثمن رخيص، بهدف الإسترزاق وتشويه الأشخاص من خلال النبش في حياتهم الخاصة، بمادة إعلامية باهتة تشوه المشهد الإعلامي المغربي، وتسيء للصحافة، فانزاحات الصحافة عن سكتها الحقيقة، ودخلت في متاهة سخيفة متناسية أن “الخبر مقدس والتعليق حر”.
لكن وبالرغم من الظلام دائما هناك نور يصعب إطفائه، يتمثل في صحافة مغربية نظيفة رغم قلتها، لكنها تحترم مهنة الصحافة وأخلاقيتها النبيلة، وتحاول جاهدة التعريف بالقضايا المجتمعية، والدفاع عن القضايا التي تخدم مصلحة البلاد، ولم تقتصر هذه الفئة على هذا فقط بل تعدته إلى إنشاء طلبة صحفيين مكونيين يحترمون هذه المهنة وأخلاقياتها لعلهم يحملون مشعل التغيير.