تعج محاكم المملكة بالعديد من الملفات المتعلقة بجرائم الأزواج، وتختلف الأسباب والدوافع لارتكاب هذه الجرائم من ملف لآخر، لكن القاسم المشترك في أغلب الأحيان، هو الشك والخيانة بالإضافة إلى ظروف نفسية، لكن الضحية في العديد من الملفات، هم الأبناء الذين يتركون مشردين، ينهش فيهم عار جريمة الأب أو الأم، وفي عز انكسارهم لم يتبق لهم ملاذ في الدنيا بعد مقتل الأم و سجن الأب.. وبين السطور تكمن تفاصيل جرائم بشعة، كالتي نعرض لها اليوم.
لم يستطع “إبراهيم” أن يبدد شكوكه بخصوص نسب ابنيه، وظلت الأسئلة المحيرة عالقة بذهنه، تلك الأسئلة التي لم يستطع أن يواجه بها زوجته، ليقينه التام أن ذلك لن يغير من حنقه شيئا، ما جعله دائم التفكير منشغل البال، والسؤال المحير الذي يشغل باله، أي طريقة تساعده على وضع حد لكوابيس أصبحت تذهب النوم عن جفنه، فاختار طريق الإجرام، وبدأت الفكرة ذات ليلة رمضانية، قبل أن تنتهي مع دنو انتهاء فصل الصيف.. والنتيجة الإجهاز على الزوجة وذبحها بطريقة بشعة، وخنق الرضيعة إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة.
التبليغ عن جريمة
الساعة تشير إلى الرابعة عصرا من يوم السبت.. شخص متوسط القامة يبدو من خلال ملامحه أنه في الأربعينات من عمره، ذو بنية جسمانية قوية، يلج قاعة المداومة بالدائرة الأمنية الثانية بشارع كيندي بآسفي، يحملق بعينيه في وجه شرطي، يجلس وراء مكتبه، قبل أن يخبره بواقعة الإجهاز على زوجته.
هنا اكفهر وجه الشرطي، وتحلق حول المتهم عدد من عناصر الشرطة المداومة، لتنطلق الأسئلة تلو الأخرى، وتم إشعار مسؤولي ولاية الأمن ورئيس الشرطة القضائية.
انتقلت فرقة أمنية خاصة على وجه السرعة وبصحبتها المتهم، إلى المنزل، وهناك ولجت إليه، لتجد الحقيقة المفزعة.. جثتان هامدتان، الأولى تخص زوجة المتهم والتي تم ذبحها من الوريد، وبها عدة طعنات، وقربها طفلة بالكاد أتمت شهرها الخامس متوفية هي الأخرى.
ماذا وقع بالضبط؟ كيف تمكن الجاني من قتل الزوجة والابنة بتلك الطريقة؟ لماذا لم يبد أي ارتباك على المتهم؟ لماذا كل تلك البرودة، وتلك التصريحات التلقائية من قبله؟ كيف لمتهم بارتكاب جريمتي قتل، وهو الذي خبّر السجون، أن يقف أمام عناصر الشرطة ويدلهم على كل صغيرة وكبيرة، دون أن يشعر بوخز الضمير؟ ما المبرر لارتكاب جريمة شنعاء بهذه الطريقة؟ هل الأمر يتعلق بضبط الضحية في حالة خيانة زوجية؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك؟
تلك أسئلة حارقة دارت في ذهن العديد من عناصر الشرطة التي تابعت تفاصيل هذه القضية، بدءا من تسليم المتهم لنفسه، وانتهاء بإعادة تمثيل الجريمة.
البدايات الأولى
التقى “إبراهيم” صدفة ب “ث” المزدادة سنة 1976، إذ أغرم بها، وبعد عدة شهور قرر أن يتقدم لخطبتها، وذلك ما تم إذ وافقت أسرتها على زواجه منها، قبل نحو عشر سنوات.
رزقت “ث” بابنة (تبلغ حاليا ثماني سنوات، وتسكن رفقة جدتها بالبيضاء). اعتقدت الزوجة أن ازدياد هذه الأبنة سيغير كثيرا من حياتها الزوجية، وسيصبح “إبراهيم” لطيفا معها، لا يعرضها لعنف أو تنكيل، غير أن شيئا من ذلك، لم يحدث، بل زاد من سلوكاته العدوانية تجاه زوجته، التي سبق أن قصدت إحدى الجمعيات النسوية بآسفي، تشكي عنف زوجها.
ورغم كل هذه الفوضى والمعاناة التي تطبع الحياة الزوجية، فإن (ث)، ظلت مصممة على البقاء مع زوجها.. كل ما يقع لم يكن مبررا في رأيها لتضع حدا لحياة العذاب والآلام التي لا تنتهي، إذ أصرت على أن تضع مولودة أخرى اختير لها من الأسماء آية.
كانت اسما على مسمى، طفلة آية في الجمال، تلك هي الطفلة الملاك التي وضع لها أب لا شفقة فيه ولا رحمة حدا لحياتها، وأصر على قتلها، لا ذنب لها سوى أنها ولدت وسط أسرة تعيش حياة التعاسة والعذاب النفسي والجسدي في منتهاه.
شك يقود إلى القتل
في يوم السبت الأسود، ولج “إبراهيم” إلى الشقة، وتوجه نحو سطح المنزل، وهناك دخن سيجارة.. باله منشغل بطريقة للتخلص من كوابيس تطارده.
كان إبراهيم يشك كل يوم في نسب أبنائه الثلاثة، ويعتقد أن زوجته تخونه، وأن صبرها هذا على ما يعرضها له ليس له ما يبرره، ربما تنتقم من عنفه عن طريق الخيانة.
كان يعتقد أنها ليست زوجة صالحة، ولا تليق به، ولابد من وضع حد لنهايتها.. كيف ذلك، ربما بقتلها !.
أحضر سكينا كبيرا، وولج الغرفة التي تنام فيها الزوجة، وبجانبها ابنتها الرضيعة، ألقى عليهما نظرة، وكأنه يودعهما، جلس غير بعيد عنهما ينظر إليهما، يفكر من أين سيبدأ عملية القتل.. هل سيوجه السكين نحو القلب؟ أم الذبح من الوريد؟ هل يخنقها.. تلك أسئلة روادت المتهم الذي عقد العزم على تنفيذ جريمته..
اختار في نهاية المطاف، ذبح الضحية، وإغلاق فمها، حتى لا تصيح، فيتم اكتشاف أمره، وذلك ما حصل..
حمل سكينا كبيرا، وباغت الضحية وهي نائمة ممددة على ظهرها، حاولت أن تصرخ، لكنه منعها، فجأة اكتشف أن السكين غير حادة، فاستعان بسكين آخر، وذبحها من الوريد، بعد ذلك، طعنها عدة طعنات في أنحاء مختلفة من جسدها.
استفاقت الرضيعة مفزوعة، بعدما ضربتها والدتها برجلها من شدة الآلم.. لا تعرف الرضيعة ما يقع، بكاء وصراخ من طفلة لا يمكن أن تستوعب ما جرى.
أنهى «إبراهيم» عملية قتل الزوجة.. نظر إلى الطفلة، وصراخها يملأ الغرفة، فقام بخنقها، محاولا إزهاق روحها، لكن الله كتب لها أن تظل للحظات أخرى على قيد الحياة، فاستعان هناك والدها بحبل بلاستيكي، وقام بخنقها، بعد ذلك، استعان بقطعة خشبية إلى أن ازهق روحها.
توجه بعد ذلك، نحو المرحاض، وغسل يديه ووجهه، وأزال ملابسه الملطخة بالدماء وارتدى ملابس جديدة، وجلس يدخن سيجارته.
كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا، انتظر إلى حدود السابعة، وأغلق الباب، وغادر نحو سوق سيدي عبد الكريم، وهناك عرض ميزانه للبيع، وتوجه نحو أحد محلات بيع الخمور قرب محطة القطار، واقتنى قارورة خمر من النوع الرديء، وتوجه نحو لا كورنيش قرب ضريح الشيخ أبي محمد صالح، وهناك، احتسى تلك القارورة، وهو يفكر ما علّه يفعل أمام هذا الحالة، قبل أن يقرر في آخر المطاف، أن يسلم نفسه للشرطة التي انتقلت معه واكتشفت تفاصيل جريمة مروعة.