لا تنشر هنا

مسيرة الرباط بين الإشاعات والحقائق..حول قطاع أكثر حيوية !

محمد الهشامي*

رفعا لكل لبس، وحتى ينجلي الغبار عن مسيرة الرباط، والتي تبقى كمثيلاتها من المسيرات المسطرة من طرف الأساتذة المنضوين تحت لواء “التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد” من حيث التنظيم. وبالأرقام فهي المسيرة الرابعة وطنيا بعد مسيرة الرباط الأولى، ثم مسيرتي مراكش والبيضاء.

لن ندخل في نقاش حول مدى مشروعية الأساتذة في الاحتجاج بعد الإمضاء على (العقد)، وما إذا كانت المسيرة مرخص لها، خاصة أن القانون التنظيمي المنظم للإضراب المنصوص عليه في الفصل 29 من الدستور، لم تتجرأ الحكومة السابقة ولا الحكومة الحالية لإخراجه إلى حيز الوجود، ولا يزال حبيس السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد مرور ثماني سنوات على دستور 2011.

والمتتبع لمسيرة الأربعاء بالرباط، سيرى أنها عرفت مشاركة مجموعة من الإطارات النقابية، بالإضافة إلى بعض الجمعيات من المجتمع المدني، والعديد من المواطنين الذين يعبرون في كل فرصة متاحة لهم عن رفضهم لسياسات عمومية بعينها تجاه الحكومة.

تعددت القراءات بعد هذه المسيرة، وتنوعت زوايا التحليل باختلاف وجهات النظر، وكذا باختلاف الجهات التي أطلقتها. ومن بين النقاط التي كانت محطة للنقاش المستفيض، ما تم تداوله بخصوص توجه المسيرة في اتجاه القصر. فالمروج لهذه المغالطات إما أنه لم يعاين ميدانيا مسيرة الأساتذة، أو أنه اعتمد على من يروجون للإشاعة ويصدقونها كحقيقة غير قابلة للنقاش بعد ذلك. ونظرا لتنوع المشاركين كما سبق وذكرنا، فقد كانت بعض الشعارات التي لا تمت بصلة لموضوع الأساتذة المحتجين، وهذا له تفسير واحد وواضح، يرجع بالأساس لمشاركة مختلف مكونات المجتمع، باختلاف قطاعاتهم، مطالبين بحقوقهم المكفولة بموجب الوثيقة الدستورية.

إن المتناول لهذا التحليل غير المفصل حول مسيرة الرباط، كان عليه أن يعود قليلا للوراء ليربط بما سبق، و يقف عند التحركات الأولية لكل المسيرات. والتي أغلبها كانت موثقة إعلاميا. رغم أن سياق المسيرة الأخيرة مختلف تماما عن المجال الزمكاني الذي نظمت فيه باقي المسيرات السابقة.

الأساتذة المحتجون مطالبهم جد واضحة، وباتت معروفة لدى الشارع العام. فمنذ أن باشرت التنسيقية برامجها، كانت أهدافها تصب في اتجاه واحد، وبالأحرى هدفها الأساسي هو إسقاط التعاقد الهش، المكرس للفوارق، والذي لا يخدم مطلقا المدرسة العمومية من جميع النواحي.

من يمثل هذه الطبقة من الأساتذة، هم شباب أكثر وعيا، وهم نخبة المجتمع، يؤمنون بالمؤسسات الوطنية وبالدستور كوثيقة أسمى، وأمن البلاد ورموزه خط أحمر بالنسبة لهم. نخبة تمثل شريحة مهمة داخل المجتمع، ورأسمال مادي مهم. و من يروج لإشاعات عشوائية، فبشكل غير مباشر يضعف من المؤسسات الدستورية، ومن رمزيتها لدى المغاربة، بسبب المزايدات السياسية الضيقة.

من يريد المساهمة في نقاش بناء حول مستقبل الأجيال، عليه أن يأخذ الأمور بجدية، وعوض الوقوف حول جزئيات ثانوية، فالأحرى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء تعطيل بعض مقتضيات الدستور، والإشكالات المرتبطة بعدم التنزيل السليم لفصوله، التي تؤدي إلى اتساع الهوة بين الخطاب والواقع، وكذلك عن الأسباب القابعة وراء تنزيل سياسات عمومية تكرس للهشاشة، وتأزم الوضعية الاجتماعية للمواطنين، وأبرز مثال لذلك ما يتعلق بمنظومة التعليم برمتها، والتي لا محال ستظهر عواقبها في المستقبل القريب.

ملف الأساتذة المتعاقدين، ملف يهم منظومة تربوية تصرف عليها أموال مهمة من المال العام، كما تأخذ نسبة كبيرة من الدخل القومي في البلدان التي تعترف بأهمية هذه المنظومة، وتستثمرها في تطوير ورفع نسبة الوعي لدى مجتمعاتها، وبالتالي فالأسبق أن تساهم جميع الفعاليات السياسية والمدنية والحقوقية في حل أكثر واقعية للخروج من التقهقر الذي يعرفه مجال التعليم.

“ملف التعاقد” يتجاوز كل ما هو قانوني، ويتجاوز النظر في مدى التزامات الطرفين ببنود العقد، رغم أن ما حرك جموع الأساتذة بالدرجة الأولى راجع إلى الإخلال ببنود “العقد” الموقعة بين الأكاديميات والأساتذة، من خلال الحيف الممارس، والذي تعاني منه آلاف الأستاذات والأساتذة في مختلف ربوع المملكة.

إن السؤال الذي يمكن طرحه الآن هو: كيف يمكن للدولة أن تتطلع إلى نتائج إيجابية من الرؤية الإستراتيجية للتعليم 2015-2030، وتحاول وضع مخططات استعجالية للنهوض بقطاع التعليم، وتخصص ميزانية مهمة لبرامج مكثفة، (كيف) لها أن تعتمد على صيغة “التعاقد” الهش، وتغامر بأبناء المواطنين دافعي الضرائب للاستفادة من مرفق التعليم، وبالمدرسة العمومية، وتجهز على حق من الحقوق المكفولة دستوريا، والمنصوص عليها في المواثيق والاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب؟

لقد حان الوقت، لتعيد الجهات المسئولة النظر في الطريقة التي يجب أن يدبر بها قطاع التعليم، وإعادة بلورة رؤية إستراتيجية واضحة المعالم والتوجهات، وفق مقاربة تشاركية تهم جميع المتدخلين، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإعادة فتح نقاش جاد ومسؤول لقطاع حيوي بامتياز يهم مستقبل الأجيال، قطاع غير قابل للمساومة السياسية، وملف لا يجب أن يكون سببا لتأجيج الأوضاع.

* طالب باحث في المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى