سلايدر

أين صرامة القضاة ؟

 

■ كان لقضاة المغرب هبة مختلفة ، شكلت استثناءا في كل العلاقات التي تفرض نوعا من التعامل المختلف ، لان مصدرها لم يكن فقط صفة القاضي ومحرابه وجبة الحكم ، وتزمجره في قاعات المحاكم ، بل كان مصدرها قوته الخفية ومهابته وتسامقه وترفعه عن كثير من الامور هي سره وسحره في نفس الوقت ،والتي كانت سببا كبيرا في تماهي القاعة معه واحترامها له ،بشكل ملفت ، اعحابابذكائه ، لان الكل كان يؤمن بان القضاء هو امانة تنوء بحملها الجبال الرواسي ،ولا يمكن لاي قاض ان يتحمل عبء ذلك ، الا بحسن اداء الواجب ، وما يستلزم من ثقة وقوة ، فكانت العدالة سلوكا واصبا، يفرض الاحترام على الكل ٠
■ الان اصبح الامر مختلف جدا ، وتغيرت المفاهيم ،وتخلص القضاء من تبعيته المذلة للسلطة التنفيذية التي كان يباشرها وزراء العدل ، وفق املاءات ادارية وضغوطات صارمة لاتكثرت لكفاءة القاضي احيانا ولا لانتاجه ،،واصبح سلطة مستقلة، الى جانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، بعد تاريخ مرير من النضال صنعه مجد المحاماة ودفاعها ،عن القضاء في كل مؤتمراتها ومحطاتها النضالية ، لان واجب التحفظ كان يمنع القاضي من الدخول في تكتلات جمعوية او تنظيمية ،تسمح له بالدفاع عن استقلاله على جميع المستويات، واستطاعت المحاماة مشكورة في ان تناضل من اجل استقلال القاضي الذي اصبح الان يمارس مهنته اقول :في جو من الاستقلال ، وليس استقلالا بمعناه الحقيقي ٠
■ المشهد الذي تم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا لاحدى السيدات بالقطب الجنحي بمحكمة عين السبع بالدار البيضاء ، وهي تتعالى بكعبها على القاضي بقاعة الجلسة ، وتلزمه استقواء بتسلم الوثائق التي بين ايديها ، دون ان تستجيب لاوامره وتحدد مركزها القانوني، الذي يخول لها الحضور بالجلسة وبهذا الشكل ، هو انموذج صارخ ، نكاد ان نعيشه يوميا بقاعات المحاكم ،في مواقف عديدة ، تتخد من كلمة –عاش الملك –عاش محمد السادس -شعارا لها ، لتبرير موقفها ،واحتجاجها على سلطة القضاء ،واحداث الضوضاء بالقاعة بالشكل الذي يشفي غليلها ، ويرفع تظلمها ، ولهذا السلوك مبررات نفسية ،تعطي الاطمئنان بان القاضي رجل خنوع ، لايمكنه ان يتدخل ، لمجرد سماعه شعار -عاش الملك – وبالتالي يطلق العنان للسانه باتهام مايشاء للدفاع عن مظلمته ٠
■ مثل هذه السلوكات الرعناء ،المتسمة بالنزق والاستخفاف بقضاة المحاكم ، تتحكم فيها عوامل عديدة ، لكن تتاثر بعامل واحد واساسي ،وهو ثقافة الخوف الذي تسيطر على ذهنية القاضي ، وهو يمارس مهامه ، والتي تجعله يفكر في نتائج قراراته الجريئة اكثر مما يفكر في طبيعتها ،هل هي شرعية وقانونية ،؟ام ليست كذلك ، لانه يدرك جيدا ان الخطاب الذي يتلقاه في حياته العملية ، هو خطاب نفاقي لايمت للواقع باي صلة ، وبالتالي فهو ملزم بضبط النفس والتظاهر بالحكمة ،والا سيكون مصيره المساءلة الادارية ،اي بمعنى (طلع الكرمة انزل من قالها لك )
■ غياب صرامة القضاة في كثير من المواقف ، سواء تعلق الامر بجرائم الجلسات ،أو بالاحكام القضائية المفاجئة ، تعزى بالاساس ،الى طبيعة الخطاب الرسمي الذي لايرحم اخطاء القاضي ولا يغفر زلاته ،لا لشيء ، سوى أن الامر يتعلق بتغطية اعلامية من شأنها ان تقوض اركان السلطة القضائية وتشكك الرأي العام في مصداقيتها ، او ان الطرف المعني بالقضية له وضع خاص ، تحكمه دوافع سياسية او علاقات اجتماعية ، او ارتباطات بالديوان الملكي ،او بشخصيات لها نفوذ ملحوظ ارثا او تعيينا ،وبين هذا وذاك ، تضمحل قوة القاضي وتذهب هيبته ويفقد جراته ومعها صرامته بطببعة الحال ٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى