جديد24سلايدرمجتمع

قرية آيت امحمد إقليم أزيلال.. قساوة طبيعية وراحة نفسية

ربورطاج: يوسف الفرساوي

في عمق جبال الأطلس الكبير الأوسط، وغير بعيد عن مدينة أزيلال، تركن قرية آيت امحمد شامخة بين الجبال، يخترقها نهر قليل الجريان، تنتظر الساكنة بفارغ الصبر بزوغ فصل الشتاء لتعود الحياة له من جديد، وعند مدخل القرية جنان تستهوي الوافدين، وتشرح صدورهم لاستقبال قرية، منازلها متناثرة على شكل مجموعات هنا وهناك في سفوح الجبال، منازل تسلقت الجبال فاستوطنت المكان، وأخرى تهوى الصعود فاحتلت المنبسط.
آيت امحمد ضجيج النهار وسكينة الليل
هدوء يعم المكان، يتخلله بين الفينة والأخرى نباح الكلاب، نباح تعود الجميع عليه، وكلما اقتربت من مركز القرية تجد بعض الشباب في شكل تجمعات صغيرة هنا وهناك، ومحلات تجارية يتهيأ أصحابها لمغادرتها، هذه أجواء آيت امحمد بعد صلاة العشاء، لتبدأ رحلة الاستمتاع بأجواء الليل وطقوسه، الليل الذي بدأت معالمه بعد غروب الشمس، شمس تركت آيت امحمد على آمل الرجوع، وفسحت المجال للنجوم لتزيين سماء هذه القرية، منظر لن يدوم طويلا حسب الساكنة التي تؤكد :”أن فصل الشتاء يحل عليهم ضيفا قبل موعده”، وما إن تشرق الشمس حتى ترجع الحياة رويدا رويدا للقرية، دكاكين تفتح، وإدارات تستقبل المواطنين، وأطفال وشبان متجهون إناثا وذكورا نحو مؤسساتهم التعليمية، وبمركز القرية رجال متراصون يقدمون منتجاتهم من خضر وفواكه في صناديق تفترش الأرض.
وفي هذا السياق أكد يوسف أستاذ بآيت امحمد :” لم يسبق لي أن استمتعت بأجواء الليل حتى قدمت إلى هذه القرية، حيث لا ضجيج وسائل النقل ولا ضجيج الناس”، مسترسلا :”صدمت عند قدومي القرية، أناس كرماء، وأخلاق إنسانية، وطيبوبة طبيعية، وبساطة فطرية”.
وعورة وتأقلم مع تضاريس القرية
جبال وتلال وشعاب هي تضاريس هذه القرية، لن تدوم في الطريق الرئيسية التي تتواجد بالمنبسط طويلا، حتى تجد نفسك متسلقا في إحدى الجبال، جبال وعرة يصفها الوافدون الجدد على القرية، استحالة صعودها في أول وهلة تطأ أقدامهم هذا المكان، وأطفال ببراءة وبساطة يلعبون بمنحدرات الجبال وهم يتحدون صعوبة المكان وكأن حال لسانهم يقول:” إذا لم نطوع هذه المرتفعات ستطوعنا”.
بنظرات استغراب تحمل كما من علامات الاستفهام، و تقاسيم وجه شاهدة على تعب السنين، وشعيرات مثناثرة في أطراف رأسه، لم يؤثر علها الزمان، وبلغة عربية ممزوجة ببعض الكلمات الأمازيغية أكد لي اسعيد:” أن الإنسان بالجبل قد تأقلم مع المجال ومع الجبال، حتى أنه لم يفكر يوما في أن الطريق وعرة”، يضيف اسعيد:” أنا لست من هذه القرية جئت فقط للتسوق ولكن أعرف بأن ابن هذه المناطق لا يمكنه العيش إلا بهذه المناطق”.
بالمقابل أكدت لي أستاذة بالقرية :” ايت امحمد قرية جميلة، أعجبت بها، لكنني لا أستطيع العيش بها، تضاريسها وعرة، وبعدها عن مدينتي الأصلية زاد من معاناتي”.
بنيات أساسية متوفرة وبنيات الرفاهية غائبة
لم يشتك أي من سكان هذه القرية أو الوافدين عليها، من موظفين وسياح من غياب التجهيزات الأساسية من مواد غذائية أساسية وماء وكهرباء وبريد ونقل، إلا أن شباب القرية يعاني من غياب مرافق يعتبرونها أساسية، وفي هذا السياق أكد ياسين (15 سنة)، وهو من مواليد هذه القرية:” لا تتوفر عندنا بـ”الفيلاج” التجهيزات التي تتواجد بأزيلال، فمتنفسنا الوحيد هو دار الشباب”.
أيت امحمد في المتخيل بين جنة الخلد وجحيم التضاريس:
تختزن ذاكرة الأشخاص أفكارا حول قرية آيت امحمد، بعضها صحيح والبعض الآخر خاطئ، لكن الأهم أن هذه القرية لها شهرة وحضور في ذاكرة سكان من مختلف المناطق، جواد باهرا من مدينة خنيفرة يقول:”قرية ايت امحمد تابعة لإقليم أزيلال منطقة جبلية، ذات خصائص طبيعية في غاية الروعة، تحتاج فقط للتأهيل لتنشيط قطاع السياحة بها، معروفة بتضاريس وعرة وبمناخ قاسي مما زاد من حدة الفقر والتهميش لسكان المنطقة”، ويضيف قائلا:” كل ما أعرفه عن طريق ألسنة زملاء زاروا المكان هو بساطة وجود وكرم الساكنة، بالرغم من التهميش الذي طالها، فغياب التنمية والتهيئة والتشغيل بالمنطقة لا يعني غياب الإنسانية، وقساوة التضاريس والمناخ، لا يعني قساوة القلوب”.
أما عمر رجل خمسيني من مدينة بني ملال فيقول :” لم أزر ايت امحمد يوما لكن أعرف أغلب المناطق المجاورة لها، وسمعت عنها كثيرا كرم أناسها لا يتصور ولكن تضاريسها لا يمكن لبشر تحملها، لا وجود لبنيات أساسية ولا لطرقات معبدة، وما يزيد الطين بلة بتلك المنطقة هو سقوط الثلج بها حيث ينقطع اتصال المنطقة بالعالم الخارجي”، وبالمقابل أكد لي رضوان من سكان مدينة أزيلال:” لم تعد منطقة بجبال الأطلس تنقطع عن العالم الخارجي في فصل الصيف فما بالك بمنطقة لا تبعد إلا 20 كلم عن مدينة أزيلال”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى