قطاع التعليم الخاص وسؤال الإنصاف
أسهمت جائحة “كورونا” فـي إعادة قطاعي الصحة والتعليم لواجهة الأحداث بحكم حيويتهما فـي الحياة الـمجتمعية؛ جائحة ردت للأطر الصحية والتعليمية بعضا من الاعتبار والـمصداقية، وفـي السياقذاته، نال قطاع التعليم الخاص حظه من النقاش العمومي، وتناسلت التحليلات والـمواقف، فمن مطالبة باعتبار القطاع متضررا من تداعيات الجائحة، والدعوة لاستفادة مؤسساته من دعم الحكومة من صندوق التضامن، إلـى دعوة لإعفاء الأسر من تسديد مستحقات التمدرس بحكم تعليق الدراسة، إلى مبادرة لإعفاء الأسر التي فقد مُعيلوها العمل بسبب الوباء.
ويبقى قطاع التعليم الخاص في قفص الاتهام واعتباره قطاعا ربحيا بامتياز يستثمر فـي اختلالات الـمدرسة العمومية، والحال أن هذا القطاع شريك حقيقي في الشأن التربوي بحكم ما يوفره من عروض تربوية أسهمت في الارتقاء وتجويد الـمردودية العامة لقطاع التربية والتعليم بشكل عام.
إن قطاع التعليم الخاص، وبعيدا عن إسهاماته في تطوير الـمنظومة التعليمية التي تشهد بها النتائج وفي مختلف الأسلاك، يبقى إسهامه كبيرا في الـمجال الاجتماعي، إذ غدا قطاعا يستقطب يدا عاملة معتبرة، تجعله من القطاعات الـمشغلة الرئيسة في القطاع الخاص عموما، وهذه حقيقة يجهلها الكثيرون أو يتجاهلونها مختزلين قطاع التعليم الخاص في رسوم التسجيل وواجبات التمدرس، ولأن الشيء بالشيء يذكر، كيف يمكن تجاهل الجهود الجبارة لـمؤسسات التعليم الخاص في إطار ورش التعليم عن بعد؟ جهود أعادت للقطاع وطنيته بفضل انخراطه من خلال أطره التربوية في إنتاج الـمضامين التعليمية الرقمية، وأصبح ملاذا من خلال حساب مؤسساته على منصات التواصل الاجتماعي لعموم الـمتعلمين والـمتعلمات نهلا مما توفره من مواد تعليمية وبجودة عالية.
إن جائحة “كورونا” ردت لقطاع التعليم الخاص اعتباره، والـمرجو أن تصحح مساره ليصطلح مع ذاته كما كان في عهد الاحتلال، حيث كان واجهة لـمقاومة الـمستعمر والذود عن هوية الوطن الحضارية، كما أن ذات الـمناسبة/الجائحة فرصة مواتية لفتح نقاش عمومي حول القطاع فـي أفق تأهيله من جهة، واضطلاعه بأدواره الـمجتمعية من جهة أخرى، ومن ذلك على سبيل الـمثال، لا الحصر:
1. توطيد وتفعيل شراكة القطاع مع الوزارة التربية والتعليم واعتباره قوة اقتراحية تستطيع أن تسهم فـي تطوير القطاع وتجويد مؤشراته، وتجاوز النظرة التقليدية التي ترى فـي القطاع مجالا لتخفيف أعباء ونفقات الدولة على التعليم.
2. تصحيح وضعية أطره لا سيما في الشق الاجتماعي، فكيف يفسر حرمان العاملين فــــي القطاع من خدمات مؤسسة محمد السادس، أسوة بنساء ورجال تعليم القطاع العمومي، ما دامت شروط الانخراط متوفرة: الانتماء إلى القطاع وأداء واجب الانخراط.
3. مأسسة العمل الاجتماعي للقطاع وتيسير استفادة أبناء الأسر الـمعوزة من خدمات القطاععلى أساس النجابةبنسب معقولة من مجموع متعلميه ومتعلماته،
4. تعميم مبادرات الارتقاء بالتعليم وتشجيع التميز الدراسي باتخاذ تدابير وإجراءات تحفيزية في شكل إعفاءات من واجب التمدرس الشهري، كاملا أو جزءاً منه، حيث تقوم بعض مؤسسات القطاع بإعفاء الأوائل فـي أقسامهم من نصف واجب التمدرس خلال السنة الـموالية.
5. تيسير سبل الشراكة بــــــين مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات التعليم العمومي فـي محيطها تقاسما للتجارب واستفادة متبادلة من الأطر والإمكانيات اللوجيستيكية تعاونا على تنشئة أجيال معتزة بانتمائها الوطني.
إن قطاع التعليم الخاص، ومهما بلغت درجة التشويش من داخل القطاع نتيجة ممارسات بعض مكوناته بطريقة غير مشرفة، أو من خارج القطاع من طرف هواة الخوض مع الخائضين ودون بينة أو دليل، سيبقى قطاعا معتزا بتاريخه النضالـي ضد الـمستعمر، ومعتزا بعطاءاته بناء لصانعات وصانعي الـمستقبل من أجيال هذا الوطن.
الـمراسل التربوي