سلايدر

امتحان الجائحة

بقلم ذ. عبد الصمد خشيع

عاش العالم منذ شهور تحت اوار فيروس كورونا القاتل، وظل المجتمع يترنح من هول تداعياته الصحية على كل افراده وبدون استثناء، حتى اضحى المرض فزاعة بكل المقاييس، استطاعت للاسف أن تُضعف ايمان العديد ممن يلهج لسانهم بذكر الله، وتسرب اليهم التشكيك في كل شيء ،نتيجة تهويل غير مبرر على الاطلاق ،إلا في بعض الحالات النادرة، التي تنوء بالضعف الجسدي وتعدد الأمراض المزمنة ٠

 كأحد المصابين الذي خاض تجربة المرض، وتلفع بلهيب تداعياته الصحية، والاجتماعية والمهنية والاعلامية، خرجت بانطباعات أساسية ، لابد ان استحضرها في هذا المقال ، كامتحان عسير لن يتوفق فيه ، الا من تسلح بالايمان واستحضر عظمة الله في ملكوته ، وعرف كيف يزن الامور بما يقتضيانه القضاء والقدر معا، من التسليم لهما والإذعان لمشيئتهما، بإرادة الله ، إذ لارادّ لقضاء الله ولا مُعقب لحكمه في كل الاحوال، لكن ماكل بارقة تجود بغيتها ، ذلك أن الكثير من الناس ،اعتبروا في خلداتهم وسريرتهم ، أن الاصابة عقوبة على امر معين ، او بلاء انتقامي ماكان يصيب المريض ، إلا نتيجة طبيعية لما احاط به من خطايا وسيئات ، فينقلب الامر عند بعض الجاهلين ،والحاقدين ،إن لم أقل الحاسدين الى فرح طفولي لايضاهيه فرح، وهو امر يعبر عن جهل كبير بسُنة الله في الكون ، بحيث يُصيب برحمته من يشاء ، ويبتلي من يشاء ، وحسبنا قصص القرآن الكريم الذي يعج بابتلاءات  الانبياء والصالحين ٠

إنها سنة كونية، لاتُبنى على الاختيار المجاني ، بل على الامتحان الرباني ، الذي يُحسن التنقيط على الصبر على البلاء ، استجابة لقواعد سنية دائمة الى يوم لقاء الله ٠

 انتقل خبر إصابتي كالنار في الهشيم ، بين سعيد وحزين ، وبين عاقل ومتهور، وبين ضال وحكيم ،وبين صادق وكاذب ،وبين هذا وذاك ،تشدقت الالسن ، وخرجت عن صوابها ، وكأن فيروس كورونا يبحث عمن يصيبه استجابة لما تمليه نواميسه التي تتحكم فيه ،وتجعله يختار بين هذا وذاك ، وفي اعتقادي ان المسألة هي رجم بالغيب للاسف ،وظنا من غير دليل ، حتى غار كل في سديم غير متناهي ، جر على الكثير بعض الاثام والاوزار التي لا تُمحى  الا بالثوبة النصوح ،وقد تلجلج في صدري مطلع قصيدة المساء لخليل مطران  : داء أَلمً فخِلْتُ فيه شفائي من صبوتي فتضاعفت بُرَحائي ، ولكن لا أريد ان استكين لمؤدى البيت ، غير انه يكشف شدة الاذى ، اذا اجتمع الامرين ،او مايسمى بالبُرحاء ، اي أذى الناس وتلهفهم على تتبع مشهد الاحتضار حسب تصورهم الساذج لبعض تداعيات  كورونا ،و مقاومة المرض بما يقتضيه من علاج ، كان يتطلب الحضور النفسي ،اكثر من تناول الادوية العادية ٠

حالة الفشل التي تُصيب كثير من المصابين، نتيجة الحملة العشواء التي تباشرها القطاعات المكلفة، تنفُذ منه كل عناصر الدمار من عزلة وتنكر وتخويف وترهيب وانطواء في زوايا البيت او المستشفى.

ما كان يثلج الصدر حقيقة، هي مكالمات الاطمئنان التي كنت  اتوصل بها من زملائي ونقبائي واصدقائي واخواني على اختلاف مراكزهم الاجتماعية ، شكلت سندا حقيقيا، لا مثيل له وحصنا من الأقذاء التي تشوش بصيرة وبصر المريض ، وهو يواجه هول الجائحة، بكل تداعياتها النفسية والصحية، ولولا سند الاصدقاء والاخوان لتحولت نفسيتي الى هجير يتهدده إعصار الزمن وامتحاناته العسيرة، ولكن الله سلم، وإليه عاقبة الامور ٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى