السياسيةسلايدر

إدريس جبري يكتب : من حقنا أن نفرح…الصحراء مغربية… وفلسطين فلسطينية

إدريس جبري

ما إِن غرّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأحقية المغرب على صحرائه الغربية، واعترافه بالسيادة المغربية عليها، في ظل الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007 على الأمم المتحدة، واعتبره مجلس الأمن الدولي « مقترحا « ذا مصداقية»، وبعدما وعد بفتح قنصلية في مدينة الداخلة، حتى عمّت الفرحة أرجاء المملكة، إلا من «بقايا» ما كان يعرف ب»اليسار القومي»، المغربي منه والعربي، وقد ظل أسيرا لواقع ارتفع وانتفت شروطه، ورهينة لمفاهيم وتمثلات موروثة زمن الحرب الباردة؛ دون مراجعة تذكر، وهي قلة، على كل حال، لها حقها في السّكن في عوالم أهل الكهف، ثالثهم أو سابعهم كلبهم، وفلول «الأصولية الإسلاموية»، بمرجعياتها المختلفة، وقد خرجت من أقْبيتها، سواء منها تلك التي تستثمر مساحات حرية لم تناضل من أجلها، أو تلك التي توفرت لها، بعد مراجعات جذرية، شروط وصولها إلى السلطة، ومراكز القرار، لا تزال محكومة بآلية «التقية»، ومقولة «الحرب خدعة».
طبعا، هذه الفرحة «العارمة « و»المستحقة» للمغاربة لم تحصل مع فتح بعض البلدان الإفريقية الصديقة قنصلياتها في مدن الصحراء المغربية، أو حتى بعدما فتحتها بعض الدول العربية، في مقدمتهم الإمارات العربية، ولكن حصلت واتسعت بالإعلان الرسمي عن نية فتح القنصلية الأمريكية بالداخلة، بعد توقيع «إعلان» الاعتراف بمغربية الصحراء، نعتبره توقيعا بماء الذهب، بصرف النظر عن مرتقب ما سيأتي في ولاية الديمقراطيين، كيفما كان. وللذي خُلق مُتجهما، وعبوسا قمطريرا، لسبب أو آخر، الحق في قليل من الحزن أو كثير منه، وله، في كل الأحوال، حق التعبير عن رأيه، لكن، دون مصادرة حق الآخرين في الفرح، قليلا أو كثيرا…
من حق المغاربة، المغاربة الوطنيين بصدق، أن يفرحوا، وينتشوا بفرحهم بهذا الموقف الأمريكي، القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، ووعد فتح القنصلية بها في مقبل الأيام؛ بصرف النظر عن الحيثيات السياسية المحيطة بالقرار، والخلفيات الاستراتيجية المتحكمة فيه، وبقطع النظر أيضا عن مقتضيات القانون الأمريكي، والقانون الدولي. فرمزية الاعتراف، وحتى في آخر لحظات ولاية الرئيس المُوقع له، عظيمة بالنسبة لمن عاشوا مسار هذا الصراع الطويل والمفتعل الذي واكبناه واكتوينا بناره؛ صراع ترعاه جارتنا الجزائر بكثير من الحطب وكرمه، وتنفخ في ناره بأوداج لا تَكَل…
نحن المغاربة، ممّن واكب قضيتنا الوطنية، واكتوى بها، قدرا من الاكتواء، في حاجة إلى هذا الاعتراف، وما سيليه، حتى نقتطع لحظات من فرح نغّصه النظام الجزائري، وقبلَه النّظام الليبي المنهار، ومن سار في ركبهما حينها، أو تواطأ معهما، مهما كان من وقّع هذا الاعتراف، ومن أي مَوقع وقّعه… فقد بدأ الحملُ يثقُل، بعدما طال وامتد (1975-2020)، وأضحت الكُلفة، بأنواعها تزيد وتتضاعف، وأصبح الأُفق بلا أُفق… استشهد من أبناء الشعب المغربي، من استشهد، وتعذب منهم من تعذب، وتألم من تألم… وتعطلت مسيرة التنمية في بلدان المغارب…وعمت الخسارة على الجميع…فكفى من الخسائر…ومساومة حق المغرب بحق فلسطين، لا يحل مشكلة…هذا ولا ذاك…
إن الزمن مخلاف، كما قال عبد الله العروي، لا يتوقف ليلوك ذاته سوى في شروط آل الكهف ومن كان منهم. كثير من مغاربة «اليسار القومي»، وجُل مغاربة فلول «الأصولية الإسلاموية»، ما تزال بما لديها فرحة، خارج حركية الزمن، وتحولاته الرهيبة المرتقبة. صحيح أن الحق حق، والحق لا يضاد الحق، كما يقال، ونحن مع الحق أنى كان، ولكن يحتاج الحق، كما علّمنا التاريخ، إلى قوة تُظهرهُ، وتحميه وترُده إلى أهلِه، إِن هي ردّته دون مقابل…
فأمريكا، بحكم الواقع، أقوى دولة في العالم، تصنع التاريخ وتكتبه وتسهم في توجيهه، انتصرت، بهذه الصيغة، وفي هذه اللحظة دون غيرها، في شخص رئيسها الجمهوري، لحقٍ من حقوق المغرب المشروعة؛ والحق، بما هو حق مجرد، يحتاج إلى من يجسده لك، وينزله من سماء المثال إلى أرض الواقع، فيقويه ويعضده حتى يتحقق ويتجسد عند أهله… وإذا قيّد التاريخ أمريكا لهذه المهمة فما يمنعنا نحن المغاربة من قبوله والفرح به، والعض عليه بالنواجذ، بكثير من اليقظة والحذر التاريخيين. فهذه الجزائر، جوارنا الجغرافي، وشقيقتنا في التاريخ والمصير، قد نغّصت على المغاربة حياتهم الهادئة والبسيطة، منذ استقلالها حتى هذه اللحظة، لم تفعله دولة غيرها، قريبة أو بعيدة. فهي لا تُفوت فرصة تتاح لها في الداخل أو الخارج للتنغيص على المغاربة، وتسويد حياتهم، وضرب مصالحهم، حيثما وجدت، ومعاندة حقهم، أنى كان … عداوة النظام الجزائري للمغرب، يا رفاقنا وإخواننا المغاربة من أي موقع، راسخ حتى صرنا عندهم العدو الأول والأخير، وما اقترفنا في حقهم ما يستحق هذا العداء المقيم… يكفي أن نتذكر للتاريخ، سنة 1975، وقد نظم المغرب مسيرة خضراء، بقطع النظر عن اختلافنا مع النظام الذي أشرف عليها، ودرجات ذلك، انخرط فيها آباؤنا وأمهاتنا، وأبناؤنا وبناتنا، من كل الأعمار والفئات والانتماءات. كان عددهم 350 ألف متطوع ومتطوعة، يحملون القرآن الكريم، وكلهم حماسة ووطنية، لا يبتغون سوى استرجاع حبات من رمال صحرائهم، من الاستعمار الإسباني، وصلة الرحم مع إخوانهم في الصحراء، لما طردت السلطات الجزائرية العدد نفسه، فيما سمته الجزائر ب»المسيرة السوداء، في عيد الأضحى، وبشكل مهين. ولنتذكر، فالذاكرة تنفع من له عقل ووطنية، كذلك معركة امغالة الأولى والثانية، وتورط الجيش الجزائري فيهما، وقد دخل إلى التراب الوطني وتوغل فيه، بكثير من العنجهية والغطرسة، ولقي ما لقي جراء ذلك. تلك بعض الأحداث فقط، قد تنعش ذاكرة المغاربة، وتذكر من تنفعه الذكرى. العداوة التي يُكنها النظام الجزائري للمغرب والمغاربة ونظامهم السياسي الذي اختاروه والتفوا حوله، وهم يناضلون لدمقرطته ودمقرطة أنفسهم، عَقيدة عندهم. فضلا عن ذلك، والأدهى منه، مؤامرة جزائرية ممنهجة ضد المغرب، على الأرض الجزائرية، وعلى حساب القضية الفلسطينية، أرخ لها عبد الله العروي، لما قال:» سنة 1987-استُدعي مُمثل البوليساريو إلى اجتماع المجلس الفلسطيني في الجزائر وألقى خطابا شبه فيه-كما تفعل باستمرار الدعاية الجزائرية-الوضعين في الصحراء وفي فلسطين. فاضطر الوفد المغربي إلى مغادرة القاعة ورغم أن القادة الفلسطينيين أوضحوا أن ضيوفهم وضعوهم أمام الأمر الواقع وقدموا اعتذارا رسميا للحكومة المغربية فإن هذه قررت مقاطعتهم في أي اجتماع عربي أو دولي مقبل. (خواطر الصباح، 1982-1999، ص61).
لم تترك الجزائر، ب»عنادها وعدم مرونتها»، (العروي، خواطر الصباح(1974-1981)، خيارات كثيرة للمغرب، وهو يتغاضى عن عجرفتها وطاووسيتها وأطماعها، منذ عقود طويلة. استقوى النظام الجزائري بغازه وبتروله، ووهم قوته العسكرية بعددها وترسناتها، على حساب تفقير ممنهج للشعب الجزائري. ضخّم ذاته حتى صار لا يرى سواه، خاصة لما حوّل قضية صحرائنا نحن إلى قضيته هو، في عملية استقطاب واسعة لأبناء هُم أبناؤنا، وإن أخطأنا، نظاما وأحزابا، معهم فيما يخطئ الأب أو الأم أو هما معا، في حق أبنائهم وبناتهم، في سياق غير السياق، فأمدوهم بالأرض ووافر المال والسلاح، ودعموهُم، سياسيا ودبلوماسيا، في كل المحافل القارية والدولية… وهو ما لم يفعلوه مع القضية الفلسطينية التي يزايدون بها على المغرب والمغاربة، في سياق اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وإن كنا نرجو أن تكون الجزائر نفسها أول من كان يجب أن يعترف بحقنا التاريخي الراسخ، دون مساومة ولا مناورة…
وددت، حقا وصدقا، لو لم تعترف أمريكا بسيادتنا على صحرائنا في مقابل استئناف العلاقات مع إسرائيل، وتاريخها أصيل في اقتطاع الأرض الفلسطينية واغتصابها بشتى الوسائل والمناورات، بل وعريقة في تقتيل أبناء فلسطين وتشريدهم في سياق حروب ومجازر خلدها تاريخهم الأسود هناك. لو وقعت أمريكا «إعلان» الاعتراف بسيادتنا على أقاليمنا الجنوبية، ووعدتنا بفتح قنصليتها فيها، دون مقابل، لكُنا في حلٍ من هذا الحرج الذي وضعتنا فيه، مع بعض إخواننا المغاربة ممن نتفهم تخوفاتهم، ونقدر تاريخهم، ولكنا في وضع أحسن يتيح لنا فرحا عارما وزائدا لا تشوبه شائبة. كنا نود ونحب ونرجو ونبغي، أن ترد أمريكا الاعتراف بالاعتراف، (دون زيادة ولا نقصان). اعتراف الإيالة الشريفة باستقلالها سنة 1777، واعتراف أمريكا بسيادة المغرب على صحرائه سنة 2020.
الاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه في مقابل استئناف العلاقات مع إسرائيل، قرار مؤلم حقا لوجداننا وقناعتنا، علما بأن الوجدان المغربي في عمومه، قد تشبّع بالقضية الفلسطينية، حتى صارت بدورها قضية موازية للقضية الوطنية. مسار الصحراء المغربية، ومسار القضية الفلسطينية، وأمير المؤمنين يرأس لجنة القدس بحمولاتها الثقافية والحضارية والدينية، مساران متقاطعان، يصعب الفصل بينهما، حتى إجراء، وقد نشأنا على ذلك وأنشأنا عليه.
نحن المغاربة، دون تعميم قد يكون مخلا، أوفياء للقضية الفلسطينية بصدق، وبحقها «المطلق» في أرضها المغتصبة، وفي الوقت نفسه، أوفياء لقضيتنا الوطنية الأولى والمصيرية. فكيف نُوفق بين حقين مشروعين، نتنفسهما يوميا: الأول وطني، والثاني قومي وإنساني؟ اخترننا الحق الثاني، واختارنا لعقود طويلة حتى صار جزءا منا، وصرنا جزءا منه؟ المعادلة صعبة جدا، وهو مسوغ الاختلاف في تقويمها وتقديرها حق التقدير، في سياق التحولات الكبرى التي عرفها المغرب والعالم أجمع، وبوتيرة سريعة لم نقدر جميعا على مواكبتها، لفهمها حق الفهم، واستيعابها حق الاستيعاب… لا هرولة مطلوبة، ولا تردد مقبول… واقتناص الفرص التاريخية مفصلي في صنع الفارق بين الأفراد والجماعات والدول نفسها.
غير أن الزمن مخلاف، كما سبق أن ذكرنا أعلاه. ليس بمعنى التخلي عن المسار الثاني لصالح الأول، والانتصار المستغرق للأول على حساب خذلان الثاني، ولكن لا ينبغي المساومة، بتاريخ مضى وَولّى، ما يزال يحكم اليسار القومي المغربي وغير المغربي، وهو ينتصر لهذه الحركة أو تلك الجبهة، وقد تحولت بدورها إلا في مخيلته، أو يحكم غيره على نهج الأصولية الإسلاموية، بحسابات ديماغوجية مدخولة، وهي تصطف لفائدة هذه الحركة دون تلك.
فلا مزايدة على الحق الفلسطيني، في ما يختاره الفلسطينيون، وما يقررونه هُم أنفسهم، حتى لا نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، وما كان الفلسطينيون يوما أكثر من المغاربة مغربية، وما ينبغي لهم ولنا. صحيح، ما تغيرت هُوية الإنسان بما هو إنسان، ولن تتغير مهما تبدلت الشروط والإكراهات، في الدفاع عن كرامته وحقه التاريخي المشروع، ولن يتبدل المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، في حدود تقديري، في إقرار الحق الفلسطيني، كما قدروه وناضلوا من أجله، وقد اعترفوا بكيان جديد إلى جوارهم اسمه إسرائيل، ونسجوا معه ما نسجوا، ولهم ذلك، بحكم قوة الواقع وإرغاماته. لكن أن نرهن مسار حقنا في أرضنا بحق مشروع لسنا فاعلين به بقدر حاسم، فأمر لا يستقيم، تاريخا وسياسة واستراتيجية. فمأساة القضية الفلسطينية، كما قال العروي، «ليست في أن الأعداء أخذوا منّا أرضا، أو استعبدوا شعبا، بل أنهم كبّلونا جميعا في مسألة بعيدة عنّا، لا نستطيع التأثير فيها، ولكن تلهينا عن نفسنا»(عوائق التحديث، ص62).
فلسطين في القلب والوجدان المغربي، على الأقل عند اليسار المغربي، زمن الجمر والرصاص. كانوا يهشون بها على النظام المخزني الرجعي، وعلى كل الأنظمة الرجعية من الرباط إلى الرياض، بل ويعتبرونها مدخلا للتحرر الأممي وانعتاق شعوب العالم من الإمبريالية والصهيونية، واستغلال الرأسمالية. كانت فلسطين عندهم، وسيلة وغاية، تتجسد في الكوفية، في الشعر والشعار، والتشكيل والأغنية (تحية للصديق العزيز الفنان المناضل: سعيد المغربي، هو يعرف وأنا أعرف، كم كانت أغانيه ملتزمة بالقضية الفلسطينية وأفقها الكوني، كانت لنا سلاحا في المظاهرات والاحتجاجات…)، سواء كانوا قريبين من حركة فتح، أم من الجبهة الشعبية أو الجبهة الديمقراطية فيما بعد. ولذلك، كانت فلسطين رمزا للتحرر والانعتاق والوطنية والأممية والثورة… وفي الوقت ذاته، كانت مقياسا لقياس درجة الرجعية والانبطاح، والقرب من النظام المخزني أو البُعد عنه، في مقابل ذلك كانت عند النظام المخزني «الرجعي»، تهمة من لا تهمة له. كانت فلسطين، تكتيكا واستراتيجية عند اليسار واليمين، وبينهما النظام المخزني وقتها. كانت قضية للتقاطبات السياسية والمذهبية والأيديولوجيا، بل وللحلم أيضا. نحلم، عبر فلسطين، أن يكون المغرب، بلدا حرا، و»اشتراكيا»، تحكمه «ديكتاتورية البروليتاريا»، وتقرر في مصيره، بكثير من الثقة والاطمئنان والوثوق. الحلم مشروع وقتها، ولكن كابوس النظام المخزني القمعي المتجبر عادة ما يتدخل بين الحين والآخر، ليوقظ النائم المتمادي، على حقيقة وجهه القاسي والبشع.
كذلك كان حلم الأصولية الإسلاموية بأطيافها المختلفة، ومرجعياتها المتنوعة، وقد امتد طيفها، وتوسع واستفاد من حريات مكتسبة، في زمن لم يولدوا فيه بعد، ثم طيف آخر، نما على مهلٍ ورعاية، داخلية وخارجية، أصبح يسود، ويحكم. وها هو يهش على منافعه ومكاسبه، ويسعى ليتمكن أكثر، تحت يافطة فلسطين، والقدس بالأساس، أولى القبلتين وثالث الحرمين. يستحضر تارة صلاح الدين الأيوبي وفتوحاته هناك، ويحلم، كما الحالمون، من خلال فلسطين، تارة أخرى، بخلافة طال انتظارها، تمتد من الرمل إلى الرمل، يحكمها شرع الله، ولا شيء سواه، ويسودها حِلم أبي بكر رضي الله عنه، وعدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكمة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكرم عثمان بن عفان في خدمة الإسلام. وقد أصبح، عند كثير من هؤلاء وأولئك، حكم الرئيس «الخليفة» الطيب أردوغان اليوم في تركيا، قدوة تحتذى، وقبلة لمن لا قبلة له بعد، رغم أن تركيا هي أول دولة طبعت مع إسرائيل واعترفت بها دوليا، منذ سنة 1949، بشكل رسمي؛ بل أنكى من ذلك، أن الرئيس أردوغان نفسه الذي هدد بقطع علاقته الدبلوماسية مع الإمارات لأنها طبعت مع إسرائيل، هو من زارها سنة 2005 لما كان أرييل شارون رئيسا لحكومتها، وهو من اقترف مجزرة صبرا وشتيلا سنة 1985 من موقع قائد عسكري رفيع المستوى وقتها. تبادلا القائدان التحية والسلام، دون أن يرمش له جفن، ودون أن يُحرك مَن ولاه في المغرب وغير المغرب، ساكنا… حلال عليهم … حرام على غيرهم…مع أن نظام المغرب المخزني عصرها، لا يدعي ما كانت تدعيه أنظمة تصف نفسها بدول الصمود والتصدي، ولا يدعي ما تدعيه تركيا اليوم، بحلمها العثماني، من خلافة إسلامية تقودها، تأتي أو لا تأتي…
لست في موقع العارف بكل أسرار ما يجري من مفاوضات في أقبية القصور ومحيطها، ولا في موقع الخبير باستراتيجية الحكم وتدبير السلطة وتصريف موازينها، كما أنني لست من المنظرين للقانون الدولي وتفاصيله، بل أنا مجرد مغربي، ككثير من المغاربة البسطاء الذين نشأوا مع القضية الوطنية، والقضية الفلسطينية، سواء بسواء، في شد وجذب، وإقبال وإدبار، وأخذ وعطاء… وقد شبعوا ألما وحزنا، وذاقوا مرارة اليأس والإحباط… وها هم قد فرحوا، ولهم حق الفرحة، لما رأوا نورا، ولو صغيرا وعابرا، في نفق مظلم، باعتراف أمريكا، بقوتها ورمزيتها، بسيادة المغرب على صحرائه الجنوبية، فتنفسوا الصعداء، وململوا أجسادهم الصلبة رقصا. فرحهم مستحق ومطلوب، وإن توقف النفس، وتجهم الوجه، لما كان ذلك كله في مقابل استئناف العلاقات مع إسرائيل، ما خبرنا سوى وجهها القاسي المتجهم. لكن براغماتية الولايات المتحدة الأمريكية راسخة في تاريخها، وعليها تأسست، فهي لا تعطي إلا لتأخذ. ووضع المغرب مع إسرائيل واليهود المغاربة فيها، استثنائي عن باقي دول العالم، ما انقطعت فيه الصلات. فضلا عن ذلك، فموقف المغرب والمغاربة من القضية الفلسطينية، ثابت، وإن بمعطيات جديدة، وموازين قوةأخرى، اضطر معه إلى الجمع بين ما يصعب جمعه، ويبدو التوفيق فيه أصعب. الشيء الذي يفرض على النظام الحاكم، والقوة الحية في البلد، أن يتحملوا مسؤولية حل هذه المعادلة الصعبة، خاصة ملك البلاد، وهو يتحمل عبء مسؤولية رئاسة لجنة القدس، وثقل إمارة المؤمنين من الديانات السماوية، على قاعدة ذهبية: القضية الفلسطينية لا تباع ولا تشترى، ولا تقبل المساومة من أي طرف من أطراف معادلة حلها.
أملي كبير وعريض، وحق الأمل مضمون، أن تعترف باقي الدول الكبرى، على غرار ما قامت به أمريكا، وتعترف الدول الصغرى والمتوسطة بحق المغرب على صحرائه، ويعترفوا جميعهم بسيادته المطلقة عليها، لطي ملف طال أمده وثقلت كلفته، على أن يعود أبناؤه وبناته إلى بلدهم، على أساس أن الوطن غفور رحيم، لكرامة مفقودة، وبناء منتظر، عسى أن يدرك المغاربة بكل أطيافهم، ومرجعياتهم، أن حقهم في الفرح مضمون، بالدفاع عن قضيتهم الأولى: الصحراء المغربية… والقضية الفلسطينية، بجلب المصالح، وتقدير موازين القوة، وعسى أن تدرك الجزائر، حكامها وشعبها، بأننا لسنا أعداءها، بل أشقاء، يحتاجون فقط لحل إشكاليتي صحراء المغرب، الغربية والشرقية، مدخلا لبناء المغرب الكبير لصالح شعوب المنطقة وامتدادها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى