الحكم الذاتي: مفتاح الحسم في الصحراء المغربية ومركز الإجماع الدولي.

د. امحمد أقبلي
تشكّل قضية الصحراء المغربية اليوم عنواناً بارزاً للثبات السيادي والانفتاح الدبلوماسي. فقد أضحت مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 بمثابة القاعدة المرجعية الوحيدة في المنتديات الدولية، بعدما تراجع مشروع الانفصال وفقدَ شرعيته ومؤيديه. وبينما تزداد دائرة الاعتراف والدعم، أفرز خطاب جلالة الملك محمد السادس في 29 يوليوز 2025، بمناسبة عيد العرش، رؤية استراتيجية متكاملة تقوم على رفض المقايضة بالسيادة، والدعوة إلى حوار مسؤول مع الجزائر.
أولاً: الحكم الذاتي… إجماع يتسع
منذ الإعلان الرسمي للإدارة الأمريكية سنة 2020 عن اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، شهدت الدبلوماسية المغربية زخماً استثنائياً. فقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، المملكة المتحدة، الإمارات، السعودية، البرازيل، الهند، وكندا، جميعها، بشكل مباشر، مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها حلاً واقعياً وعادلاً[1][2][3].
وقد عبّر عن ذلك صراحةً مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته للجزائر في يوليوز 2025، بقوله:
> “مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تظل الإطار الوحيد الجاد والواقعي لتسوية النزاع، وينبغي أن تكون منطلق أي مفاوضات مستقبلية.”[4]
هذا الدعم لم يعد مرهوناً بإرادة سياسية ظرفية، بل أصبح نتيجة لرؤية جيوسياسية أوسع تتقاطع فيها المصالح الاستراتيجية مع احترام وحدة الدول ورفض منطق التقسيم.
ثانياً: شرعية المبادرة في قرارات مجلس الأمن
منذ 2007، تبنّى مجلس الأمن صياغة موحدة في جميع قراراته بشأن الصحراء، حيث وصف مبادرة المغرب بأنها:
> “جادة وذات مصداقية وتشكل أساساً واقعياً لحل دائم ومتوافق عليه.”[5]
وقد تم تثبيت هذا التوصيف في قرارات متوالية، من القرار 1754 (2007) إلى القرار 2703 (2023)، مما يعكس ترسّخ المبادرة في المرجعية الأممية، في ظل غياب أي خطة مقابلة تحظى بنفس التقدير[6][7].
ثالثاً: الحكم الذاتي كمشروع ديمقراطي تنموي
لا تُختزل المبادرة المغربية في بعدها الدبلوماسي، بل تنبني على مشروع شامل يمنح ساكنة الصحراء صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم المحلية، ضمن إطار السيادة المغربية، وباحترام مبدأ التمثيلية الجهوية والديمقراطية التشاركية[8].
وقد عزّز المغرب هذه المبادرة بإطلاق مشاريع كبرى في مجالات الطاقة، البنية التحتية، التعليم، والصحة، ما جعل الصحراء نموذجاً تنموياً بارزاً داخل إفريقيا[9].
رابعاً: خطاب العرش 2025… وضوح السيادة وواقعية الحوار
في خطابه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، رسم جلالة الملك محمد السادس معالم الموقف الوطني الثابت، بقوله:
> “المغرب لا يتفاوض على صحرائه، والصحراء لن تكون أبداً موضوع مقايضة. ولكننا منفتحون على إيجاد حل سياسي واقعي، عملي، وتوافقي، في إطار مبادرة الحكم الذاتي.”[10]
كما جدّد جلالته الدعوة إلى الجزائر، قائلاً:
> “حرصت دوماً على مد اليد لإخواننا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين.”[10]
إن هذا الخطاب يُجسد توازن الدولة المغربية بين التشبث بالثوابت والانفتاح على الحلول السياسية العقلانية.
خامساً: تآكل مشروع الانفصال
في ظل تحوّل المواقف الدولية، تراجعت “أطروحة البوليساريو” إلى هامش المشهد الدبلوماسي. فقد قامت مؤخرا أكثر من 25 دولة بسحب اعترافها بـ”الجمهورية الوهمية”، فيما افتتحت أكثر من 30 دولة قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، وهو ما يشكّل اعترافاً عملياً بالسيادة المغربية[11][12].
بل إن تقارير مراكز بحث دولية مثل Atlantic Council وBrookings Institution تؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي الحل الوحيد القادر على توفيق المصالح، وإنهاء النزاع، واستعادة الاستقرار الإقليمي[13][14].
سادساً: نحو الحسم السيادي
أضحى واضحاً أن ملف الصحراء لم يعد نزاعاً قابلاً لإعادة التدوير سياسياً، بل هو في طور الحسم السيادي والدولي. فمع تأكيد مجلس الأمن على “الحل السياسي الواقعي والدائم” دون ذكر “الاستفتاء”، يتّضح أن مشروع الانفصال فقد مشروعيته القانونية والعملية[15].
خاتمة
الحكم الذاتي اليوم ليس فقط خياراً مغربياً، بل مشروع استقرار إقليمي تدعمه الأمم المتحدة، وتتبناه القوى الكبرى، وتزكيه إرادة السكان المحليين. وبينما يُرسي الملك محمد السادس خطاب سيادةٍ متوازنٍ ومتين، تتوسع دائرة الإجماع الدولي، ويتراجع خطاب العداء الإيديولوجي.
ولذلك، فإن صون هذه المكتسبات يتطلب انخراطاً شاملاً من المثقفين، والحقوقيين، والإعلاميين، والمؤسسات الأكاديمية، دفاعاً عن قضية وطنية عادلة، تستحق أن تُقدَّم للعالم كأنموذج لحل النزاعات الترابية في إطار القانون والواقعية السياسية.
> “المغرب دولة عريقة، وأمة عزيزة، لا تفرط في أرضها، ولا تساوم على سيادتها.”
جلالة الملك محمد السادس، خطاب العرش