جديد24

التغطية الصحية بين الدستور والتحولات الاجتماعية

قراءة في تعديل الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية.

بقلم: د. امحمد أقبلي

من المساواة الدستورية إلى رهانات الدولة الاجتماعية.

يشكل ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب أحد أهم اللبنات في مسار بناء الدولة الاجتماعية، وقد اعتُبر منذ انطلاقه سنة 2020 مشروعًا مجتمعيا شاملاً يروم ضمان كرامة المواطن وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية. وفي هذا الإطار، جاء التعديل الجديد للمادة 6 من مدونة التغطية الصحية الأساسية بمقتضى القانون رقم 37.25 (الجريدة الرسمية، 25 غشت 2025)، ليكرس تحولا تشريعيا نوعيا يُعيد التوازن إلى المنظومة القانونية ويستجيب لمتطلبات الدستور والالتزامات الدولية، وللتحولات العميقة التي تعرفها الأسرة المغربية.

أولاً: القراءة القانونية والدستورية

كان النص القديم يحصر التصريح بالأبناء لدى الهيئات المؤمنة في “الأب المؤمن”، وهو ما شكل قصورا تشريعيا يتعارض مع المبدأ الدستوري للمساواة【3】. وقد ترتب عن ذلك حرمان النساء العاملات والمطلقات من ممارسة حقهن في حماية أبنائهن اجتماعياً.

يؤكد الفقيه محمد الكشبور أن: «النصوص القانونية التي لا تترجم القاعدة الدستورية تفقد مشروعيتها وتُفرغ المبدأ من محتواه»【4】.

الاجتهاد القضائي تدخل بدوره لتصحيح الخلل، حيث أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 12 يونيو 2019 حكما يمكن الأم الموظفة من تسجيل أبنائها استنادا إلى المصلحة الفضلى للطفل【5】.

ثانياً: الأبعاد الحقوقية والالتزامات الدولية

هذا التعديل ينسجم مع المرجعية الدولية، خاصة:

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي توجب إزالة التمييز داخل العلاقات الأسرية【6】.

اتفاقية حقوق الطفل (1989)، التي تنص مادتها 24 على حق الطفل في التمتع بأعلى مستوى من الصحة【7】.

ويذهب الفقيه عبد القادر العرعاري إلى أن: «حماية الطفولة لا يمكن أن تُختزل في التدابير الاجتماعية، بل هي التزام قانوني ودستوري وأخلاقي»【8】.
وهكذا، فإن التعديل لا يخدم المساواة بين الزوجين فقط، بل يرسخ حماية الطفولة كحق أصيل.

ثالثاً: المقاربة السوسيولوجية للتحولات الأسرية

تشير معطيات المندوبية السامية للتخطيط (2023) إلى أن حوالي 20% من الأسر المغربية تعيلها نساء【9】. كما ارتفعت نسب الطلاق، مما جعل الأمهات في كثير من الأحيان المعيل الوحيد للأسرة.
النص القديم كان يعكس ثقافة أبوية متجذرة. وفي هذا الصدد، يرى عالم الاجتماع بيير بورديو أن: «القانون حينما يكرس السلطة الأحادية داخل الأسرة فإنه يساهم في إعادة إنتاج الهيمنة الاجتماعية»【10】.

جاء التعديل ليواكب هذه التحولات، ويعترف بالأم كفاعل رئيسي في حماية الأسرة.

رابعاً: الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية

إلى جانب قيمته الحقوقية، يحقق التعديل فوائد عملية:

تقليص النزاعات القضائية والإدارية، التي شكلت ثلثي القضايا الأسرية المرتبطة بالتأمين الصحي【11】.

تخفيف معاناة الأمهات المطلقات؛ إذ تشير تقارير وزارة التضامن (2024) إلى أن 35% منهن واجهن صعوبات مباشرة في تسجيل أبنائهن【12】.

تعزيز مرونة الأسر في اختيار الهيئة المؤمنة (CNOPS أو CNSS).

هذه المكاسب تترجم ما قاله الاقتصادي أمارتيا سن: «العدالة الاجتماعية تُقاس بمدى تمكين الأفراد من الاستفادة من القدرات الأساسية، وعلى رأسها الصحة»【13】.

خامساً: رهانات الدولة الاجتماعية

القانون 37.25 ليس مجرد تعديل تقني، بل هو لبنة في صرح الدولة الاجتماعية. فقد أكد جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2020 أن: «تعميم الحماية الاجتماعية يعد مشروعا مجتمعيا كبيرا يتطلب تضافر جهود الجميع»【14】.
وهكذا، فإن التعديل يُجسد إرادة سياسية واضحة، ويعزز ثقة المواطن في المؤسسات، ويكرّس المساواة، ويحمي الطفولة، ويمنح الأسر مرونة في الاستفادة من التأمين الصحي.

خاتمة

يمثل تعديل المادة 6 من مدونة التغطية الصحية الأساسية بمقتضى القانون 37.25 مكسبًا حقوقيًا وتشريعيًا للمرأة المغربية وللأسرة عموما. فهو عالج خللا تاريخيا، وضمن المساواة الدستورية، وحمى المصلحة الفضلى للطفل، وخفف العبء عن القضاء والإدارة.

لكن التحدي الحقيقي يكمن في التفعيل السليم عبر إصدار دوريات وزارية واضحة، وتكوين الموظفين، وتوعية الأسر. وبهذا يكون المغرب قد خطا خطوة إضافية نحو بناء دولة اجتماعية عادلة، تجعل من الحماية الصحية حقًا مكفولًا، ومن المساواة واقعًا معاشًا.

الهوامش والمراجع:

1. النص القديم للمادة 6 من القانون 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية: «يمكن للمؤمن أن يصرح بزوجته وأولاده الذين هم في كفالته ليستفيدوا من نفس الحقوق التي يخولها له نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض»، الجريدة الرسمية عدد 5398، 2006.

2. النص الجديد للمادة 6 كما عدلها القانون 37.25: «يمكن للزوج المؤمن أو الزوجة المؤمنة، كل على حدة، أن يصرح بالأبناء الذين هم في كفالته لدى الهيئة المؤمنة التي ينتمي إليها، وذلك بعد توافق الزوجين، ليستفيدوا من نفس الحقوق التي يخولها نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض»، الجريدة الرسمية عدد 7420، 25 غشت 2025.

3. دستور المملكة المغربية، 2011، الفصول 19 و31.

4. محمد الكشبور، النظام القانوني للمنازعات الإدارية، دار القلم، الدار البيضاء، 2018، ص 112.

5. حكم المحكمة الإدارية بالرباط، ملف عدد 152/05/2018، بتاريخ 12/06/2019.
6. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، الأمم المتحدة، 1979.
7. اتفاقية حقوق الطفل، الأمم المتحدة، 1989، المادة 24.
8. عبد القادر العرعاري، حماية الطفولة في القانون المغربي، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، 2017، ص 87.
9. المندوبية السامية للتخطيط، تقرير حول أوضاع الأسرة المغربية، الرباط، 2023.
10. Pierre Bourdieu, La domination masculine, Seuil, Paris, 1998, p. 45.
11. تقرير النقابة الوطنية للصحة حول منازعات التأمين الصحي، الدار البيضاء، 2022.
12. وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، التقرير السنوي، الرباط، 2024

13. Amartya Sen, Development as Freedom, Oxford University Press, 1999, p. 75.

14. خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، 29 يوليوز 2020.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى