في إنزكان.. الاحتجاجات تتحول إلى العنف والتخريب

بعد أربعة أيام من التحركات الاحتجاجية السلمية، تحوّل حراك GenZ212 إلى العنف، لا سيما في إنزكان حيث شهدت المدينة مساء الثلاثاء مشاهد شغب متفرقة. احتراق سيارات، تخريب ممتلكات، إحراق صيدلية، وتخريب وكالة بنكية، كلها علامات على تصعيد مقلق يشوه المطالب الأولية من أجل العدالة الاجتماعية.
وبعد مرور أربعة أيام فقط على انطلاق الاحتجاجات تحت شعار GenZ212، تجاوزت هذه التحركات مرحلة الخطورة لتتحول إلى العنف والفوضى. ففي مساء الثلاثاء 30 أكتوبر، كانت مدينة إنزكان، على مشارف أكادير، مسرحا لموجة من الأفعال الإجرامية التي شوهت يوما من الاحتجاجات الذي اتسم نسبيا بالهدوء حتى تلك اللحظة.
ومع حلول الظلام على الساحة المركزية، تغيّرت الأجواء بشكل مفاجئ. فقد تحوّل التجمع السلمي إلى مشاهد فوضوية تذكّر بأسوأ لحظات الشغب الحضري. أفراد ملثمون ظهروا فجأة من بين الحشود وأحدثوا حالة من الذعر: اقتلاع وإحراق أثاث الشوارع، تخريب وكالة بنكية، تدمير صيدلية، حرق سيارات خاصة وسيارات خدمية، وإشعال النار في الحواجز وسلال النفايات ومحيط مركز تجاري. وقد تعرضت قوات الأمن المنتشرة لمراقبة الاحتجاجات لرشق كثيف بالحجارة، في مواجهة عدائية غير مسبوقة.
وتتناقض هذه الأفعال التخريبية، التي بدت متعمدة ومنظمة، مع المطالب الاجتماعية الأصلية التي كانت وراء التحرك. فحركة GenZ212، التي نشأت على منصة Discord وتقدم نفسها كجماعة مدنية تدعو إلى اللاعنف، وجدت نفسها مطردة بسبب تجاوزات خرجت عن سيطرتها. وراء الشعارات والدعوات إلى التغيير، استغلّت مجموعات تحمل روح الانتقام والتدمير الفضاء العام، مما شوه الحدود بين الاحتجاج المشروع والانحراف الفوضوي.
وإلى حدود كتابة هذه الأسطر، لم يتم بعد تحديد حجم الأضرار، لكن الصور المتداولة تعكس تصعيدا خطِرا واحتجاجات خرجت عن السيطرة من قبل المبادرين بها.
وقد تكررت المشاهد نفسها في آيت عميرة قرب أكادير، حيث تعرضت سيارات، بما فيها سيارات الدرك الملكي، لأضرار. وسُجلت تجاوزات أيضا في بني ملال ووجدة، حيث رافقت أعمال العنف شائعات تهدف إلى بث الذعر والغضب. وفي مساء الثلاثاء نفسه، بدأت أكاذيب تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، تزعم وفاة أحد المحتجين بعد أن «صدمته» سيارة تابعة لقوات الأمن خلال الاحتجاجات. وبسرعة، تدخلت السلطات لوضع حد لهذه الفوضى، ونفت بشكل قاطع أي وفاة مرتبطة بالحادث. وتمت متابعة الشخص المعني طبيا وهو الآن تحت المراقبة الطبية، وحالته مستقرة، ولا يوجد أي تهديد على حياته.
وفي مساء الثلاثاء، أصدر التحالف GenZ212 بيانا مستنكرا هذه الانحرافات الخطِرة، مؤكدا على دوافع الاحتجاجات الأصلية: «الصحة للجميع، تعليم يليق بالإنسان، وحياة كريمة لكل المغاربة دون استثناء»، ومشدّدا على التزام المحتجين بـ«ثلاثة مبادئ واضحة: عدم التلفظ بألفاظ مسيئة أو إهانات، عدم إحداث فوضى أو تدمير ممتلكات عامة أو خاصة، وعدم التخلي عن السلوك السلمي». وكان هذا النداء بمثابة تذكير لم يُلتزم به من قبل بعض الأفراد الذين تحركوا بدافع الشغب فقط.
ويُذكر أن الأغلبية الحكومية عقدت، أمس الثلاثاء، اجتماعا استثنائيا خصص لمتابعة هذه الأحداث. وقد شددت خلاله على «استماعها اليقظ» وعزمها على تفضيل الحوار المؤسساتي والعام لتلبية المطالب الاجتماعية. وأشادت الحكومة بضبط النفس الذي أظهرته قوات الأمن، مؤكدة أن التشاور وحده هو السبيل لمعالجة القضايا الوطنية بشكل مستدام. وقد تم تحديد قطاع الصحة كإحدى نقاط الالتقاء بين مطالب الشباب والإصلاحات الجارية: تحديث البنية التحتية للمستشفيات، إنشاء مراكز إقليمية، وتعزيز الكوادر الطبية. غير أن الحكومة أشارت إلى أن نتائج هذه الإصلاحات ستكون مرئية على المدى المتوسط، وأبدت انفتاحها على المبادرات البرلمانية والمقترحات المقدمة من المجتمع المدني.
ورغم إعلان الحكومة انفتاحها على الحوار، يبقى العائق الرئيسي أن حركة GenZ212 غير محددة الهوية وغير قابلة للتحديد، وبالتالي لا يمكن أن تكون طرفا رسميا للحوار. فالغياب القيادي والطابع العفوي وغير المنظم للحراك يجعل أي حوار أو وساطة أمرا مستحيلا. وقالت الحركة: «سنواصل المطالبة بحقوقنا المشروعة حتى تتحقق العدالة الاجتماعية التي نطمح إليها»، وكل الأمر يتعلق بكيفية وآليات ذلك. وفي الوقت الراهن، وبالنظر لمشاهد العنف التي وقعت الثلاثاء، فقد تأثرت درجة انخراط الرأي العام في الحركة بعض الشيء. فالغالبية العظمى من المغاربة، الذين قد يفهمون المطالب الاجتماعية للمحتجين، لن يتسامحوا مع مثيري الشغب والمخربين الذين يدمرون أحيائهم. ولن يُسمح للعنف أو لمن يزرعون الفوضى بأن يمروا دون محاسبة