جديد24

الجامعة المغربية بين اتساع الولوج وتحدي الجودة والعدالة المجالية

دراسة تحليلية نقدية في ضوء معطيات الدخول الجامعي 2025–2026

إعداد: الدكتور امحمد أقبلي
أستاذ باحث

الملخص التنفيذي

تعرض هذه الدراسة التحليلية قراءة نقدية معمقة في واقع التعليم العالي المغربي خلال الموسم الجامعي 2025–2026، استناداً إلى أحدث المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.

يبلغ العدد الإجمالي للطلبة المسجلين 1.309.900 طالب وطالبة، بزيادة 4.8% مقارنة بالموسم السابق، فيما تستحوذ الجامعات العمومية على الحصة الأكبر بنسبة 87%، مقابل 8% في القطاع الخاص و5% في مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات.

تكشف الدراسة عن استمرار هيمنة مؤسسات الولوج المفتوح التي تضم 81% من الطلبة، وتوزيع تخصصي غير متوازن حيث يتركز 50% من الطلبة في كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية و26% في الآداب والعلوم الإنسانية، مقابل نسبة محدودة في التكوينات العلمية والتقنية.

وفي المقابل، تعمل الوزارة على تعزيز التكوينات ذات القيمة المضافة، من خلال رفع المقاعد البيداغوجية في الطب والصيدلة وطب الأسنان إلى 10.841 (+33%)، وتخصيص 20.404 لتكوين الأساتذة، و27.190 للتخصصات الرقمية (+20%).

غير أن هذا التوسع الكمي يصطدم بمحدودية الإطار الأكاديمي؛ إذ لا يتجاوز عدد الأساتذة الباحثين 17.000 أستاذاً، بمعدل 69 طالباً لكل أستاذ، ما يؤدي إلى اكتظاظ يفوق 200% في بعض الكليات.
كما لا تتعدى نسبة النجاح في الإجازة 39%، وتصل نسبة الهدر الجامعي إلى 50%، في ظل ضعف منظومة التوجيه والدعم البيداغوجي.

ترصد الدراسة كذلك اختلالاً جهوياً واضحاً في توزيع المؤسسات الجامعية، حيث تستأثر الجهات الكبرى (الدار البيضاء–سطات، الرباط–سلا–القنيطرة، فاس–مكناس) بأكثر من نصف الطلبة، مقابل ضعف البنية الجامعية في الجهات الداخلية كـبني ملال–خنيفرة ودرعة–تافيلالت.

وتخلص القراءة إلى أن الجامعة المغربية تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم:

إما الاستمرار في منطق التوسع الكمي غير الموجه،
أو الانخراط في إصلاح نوعي شامل يركز على الجودة، العدالة المجالية، وحكامة التعليم العالي وربطه بالتنمية الاقتصادية والرقمية.

توصي الدراسة بمجموعة من الإجراءات ذات الأولوية:

خفض معدل الطالب/الأستاذ إلى أقل من 40 في أفق 2030.

إعادة هيكلة العرض الجامعي نحو التكوينات التطبيقية والمهنية.

إنشاء أقطاب جامعية جهوية للحد من التفاوتات الترابية.

اعتماد مقاربة التقييم القائم على النتائج (نسبة النجاح، الإدماج المهني، الابتكار).

تعميم الرقمنة والتعليم الهجين كأداة لتوسيع العرض وتحسين الفعالية.

وتخلص الدراسة إلى أن مستقبل الجامعة المغربية مرهون بقدرتها على التحول من “جامعة الكم” إلى “جامعة القيمة”، ومن مؤسسة للتلقين إلى فضاء للبحث والإبداع والإنتاج المعرفي الموجه للتنمية.

Résumé analytique

Cette étude propose une analyse critique approfondie de la situation de l’enseignement supérieur marocain pour l’année universitaire 2025–2026, à partir des données officielles publiées par le Ministère de l’Enseignement supérieur, de la Recherche scientifique et de l’Innovation.
Le nombre total d’étudiants inscrits atteint 1.309.900, soit une augmentation de 4,8 % par rapport à l’année précédente. Les universités publiques accueillent 87 % des étudiants, contre 8 % dans le secteur privé et 5 % dans les établissements non affiliés aux universités.

L’étude met en évidence la prépondérance des établissements à accès ouvert (81 % des effectifs) et une forte concentration dans les filières théoriques : 50 % en droit, économie et sciences sociales, et 26 % en lettres et sciences humaines.
En parallèle, le ministère renforce les formations à forte valeur ajoutée :

10.841 places en médecine, pharmacie et odontologie (+33 %).

20.404 places dans la formation des enseignants (+4 %).

27.190 places dans les spécialités numériques (+20 %).

Mais cette expansion quantitative se heurte à une limite structurelle : le Maroc ne compte qu’environ 17.000 enseignants-chercheurs, soit 69 étudiants par enseignant, ratio très élevé par rapport aux standards internationaux (25 à 30).
L’insuffisance des capacités d’accueil se traduit par un taux de réussite de 39 % et un taux d’abandon de 50 %.

L’étude conclut que l’université marocaine se trouve à la croisée des chemins : poursuivre un modèle d’expansion quantitative ou amorcer un tournant qualitatif fondé sur la gouvernance, la performance et l’équité territoriale.

المقال التحليلي:

تعيش الجامعة المغربية اليوم لحظة مفصلية في مسارها التاريخي؛ فهي لم تعد مجرد مؤسسة لتلقين المعارف، بل أضحت فضاءً لإنتاج القيم والكفاءات وتوجيه التنمية. ومع صدور معطيات الموسم الجامعي 2025–2026، يتأكد أن المنظومة الجامعية المغربية دخلت مرحلة توسع كمي غير مسبوق، لكنه ترافق مع تحديات بنيوية تمس الجودة والعدالة والملاءمة.

2. تطور البنية العددية

بلغ عدد الطلبة في مؤسسات التعليم العالي 1.309.900 طالباً وطالبة، بزيادة 4.8 % عن الموسم السابق.

الجامعات العمومية: 1.144.801 (87 %).

القطاع الخاص: 102.462 (8 %).

مؤسسات غير تابعة للجامعات: 62.537 (5 %).
في المقابل، لا يتجاوز عدد الأساتذة الباحثين 17.000، مما يجعل المعدل 69 طالباً لكل أستاذ، مقابل 25 طالباً كمتوسط عالمي.
هذا الخلل العددي ينعكس مباشرة على جودة التكوين والبحث العلمي.

3. مؤسسات الولوج المفتوح والمحدود

تشكل مؤسسات الولوج المفتوح 81 % من مجموع الطلبة (928.195)، بينما لا يتجاوز حضور مؤسسات الولوج المحدود 19 % (216.606).
ويتمركز نصف الطلبة في كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية (50 %)، تليها كليات الآداب (26 %)، ثم الكليات متعددة التخصصات (12 %)، وكليات العلوم (12 %).
تؤدي هذه التركيبة إلى إغراق المسالك النظرية وإضعاف المسارات التطبيقية، وهو ما يتنافى مع حاجيات سوق الشغل الوطني.

4. الطاقة الاستيعابية والهدر الجامعي

رغم التوسع العددي، فإن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات الجامعية لا تتجاوز 580 ألف مقعد، ما يعني اكتظاظاً يتجاوز 200 %.
نسبة النجاح في الإجازة لا تتعدى 39 %، في حين يبلغ معدل الهدر الجامعي 50 %.
وتشير الإحصاءات إلى أن من بين كل 100 طالب يلتحق بالجامعة، لا يُتِمّ مساره سوى 45 فقط، وهو ما يعكس أزمة في التوجيه والدعم الأكاديمي.

5. العدالة المجالية

الجهات الكبرى (الدار البيضاء–سطات، الرباط–سلا–القنيطرة، فاس–مكناس) تحتضن أكثر من نصف الطلبة، بينما تعاني الجهات الداخلية من ضعف البنية الجامعية.
هذا الخلل يمس مبدأ تكافؤ الفرص، ويستدعي إنشاء أقطاب جامعية جهوية متكاملة تضمن الإنصاف الترابي في التكوين والبحث العلمي.
6. المقارنة الدولية

بالمقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE)، يظهر أن المغرب يعيش مرحلة “التوسع قبل النجاعة”.
في فرنسا المعدل 21 طالباً لكل أستاذ، وفي كوريا الجنوبية 17، بينما في المغرب 69.
كما أن معدل النجاح في الإجازة لا يتجاوز 39 % مقابل أكثر من 70 % في أوروبا، ما يؤكد ضعف فعالية منظومة التوجيه والدعم الجامعي.

7. آفاق الإصلاح

توظيف أساتذة جدد لتقليص الضغط العددي وتحسين التأطير.

توجيه العرض الجامعي نحو الشعب العلمية والتقنية والمهنية.

إحداث أقطاب جامعية جهوية للإنصاف الترابي.

اعتماد نظام تقييم دوري للمؤسسات على أساس المردودية والابتكار.

تعميم الرقمنة والتعليم الهجين لتوسيع العرض دون المساس بالجودة.

تحسين التوجيه والمنح لتشجيع المسالك ذات القيمة المضافة.

تؤكد معطيات 2025–2026 أن الجامعة المغربية تتقدم كمّاً لكنها تتعثر كيفاً.

لقد نجحت الدولة في تعميم الولوج، لكنها لم تبلغ بعد مرحلة التمكين الأكاديمي المتوازن.

الرهان اليوم ليس فقط زيادة عدد الطلبة، بل بناء جامعة قادرة على إنتاج المعرفة وتوظيفها لخدمة التنمية.

فالجامعة التي لا تُنتج الكفاءات، تُعيد إنتاج البطالة.
ومن هنا، فإن مستقبل التعليم العالي في المغرب رهين بالانتقال من جامعة الكم إلى جامعة القيمة، ومن التعليم إلى الابتكار.

المراجع

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تقرير الدخول الجامعي 2025–2026.

عرض الوزير عز الدين ميداوي أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال، مجلس النواب، 22 أكتوبر 2025.

المجلس الأعلى للتربية والتكوين، تقرير نجاعة المنظومة الجامعية، 2024.

OCDE, Education at a Glance 2024.

مواقع: Hespress، Le360، Médias24 (تحقيقات حول التعليم العالي المغربي).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى