فن ومشاهير

” عرق السواحل ” رحلة في الذاكرة والهوية على أمواج المسرح و جغرافيا بلغة الوجع الإنساني

صفاء أحمد آغا

بعد أيام الشارقة المسرحية ومهرجان بغداد الدولي للمسرح ، ها هي مسرحية ” عرق السواحل ” تحط الرحال بالمهرجان الدولي للمسرح و فنون الخشبة بأگادير المملكة المغربية الشيء الذي يعكس حضورها على المستوى العربي بقوة ، و يعزز من قيمة انتشار المسرح الإماراتي وتبادله الثقافي.

ليلة مسرحية متميزة أخرى تحسب للمهرجان الدولي للمسرح وفنون الخشبة ، يطفىء فيها أضواء الواقع ليترك لنا الخشبة تروي حكاية جديدة لأبي الفنون ،حيث تلتقي التجارب المسرحية من مختلف الآفاق ، لتقدم رؤاها حول الإنسان ؛ الهوية والذاكرة

نقف الليلة أمام عرض مسرحي يستحضر الوجع والحنين ، يستقصي جذورنا الممتدة بين الموج والرمال ، بين الرحيل والبقاء .

” عرج السواحل ” مسرحية تغوص في
عمق البحر والذاكرة ، لتكشف عن صراع الإنسان مع ذاته ومع المكان ، وتطرح أسئلة الهوية و الإنتماء في زمن تتقاذفه الأمواج .

تُعدّ مسرحية «عرج السواحل» إنتاجاً مميزاً لـ مسرح أم القيوين الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة، تستند إلى نصّ الكاتب المسرحي الراحل سالم الحتاوي، وأخرجها المخرج عيسى كايد، ضمن رؤية فنية تجمع بين التراث المحلي واللغة المسرحية المعاصرة.

⁠• تدور أحداث ” عرج السواحل ” حول شخصية تُدعى «عتيج»، وهو يُلقّب بـ«ابن الشهيد»، في إشارة إلى جده الذي حارب الاستعمار البريطاني. يعيش عتيج في حيّ شعبي (فريج) ويُغرق نفسه في الماضي البطولي، بينما زوجته تحاول جذبه إلى الواقع المعاش، وتتمحور الحكاية حول الصراع بين جدّ “عتيج” وشخصية تُدعى “يعقوب” التي تطالب بحقوق أُسرتها من جراء ظلم سبق. 

تستثمر ” عرق السواحل ” عناصر الموروث الشعبي، مثل الخرافة، التمائم، والدجل، حيث يُعتقد أن “عرج السواحل” قطعة من جذور الأشجار تُستقدم من الساحل الأفريقي وهو يملك قوى خارقة، ويستخدمها “عتيج” كتعبير عن هروبه من الواقع

” عرق السواحل ” تقدم تحليلا فلسفيا للعلاقة بين الماضي والحاضر، وكيف أن البطولات القديمة قد تتحول إلى عبء نفسي للأجيال الجديدة ، كذلك، تُناقش المسرحية موضوعات مثل الاستعمار، التفكيك الاجتماعي، وكيف أن الذاكرة الجماعية يمكن أن تصبح “سجنًا” بدلاً من مصدر إلهام. 

” عرق السواحل “
إعتمد فيها المخرج رؤية إبداعية ترسخ الهوية الإماراتية” من خلال استرجاع فضاء الفريج، المقهى الشعبي، التمائم الشعبية، الأبواب الخشبية… إلخ. 
كما استخدم ” عيسى كايد ” سينوغرافيا بسيطة بدلالات واضحة : الأبواب الخشبية والقبور داخل البيت والإضاءة التي تُبرز ملامح الحنين والانفصال عن الواقع. 
لا ننسى كذلك الأداء التمثيلي أيضاً الذي حاز على تقدير، و إعجاب جمهور أكادير الغفير الذي حج بكثافة ليكون على الموعد كما كل سنة ، حيث شارك فيه وفد فني إماراتي مخضرم، وأظهر تناسقاً في المشاهد التي تمزج بين جدّية الواقع وسخرية الشخصية التي ترفض الحاضر. 

المسرحية تُعد شهادة على أن المسرح الإماراتي قادر ليس فقط على الترفيه، بل على فتح “نوافذ التأمل” في القضايا الاجتماعية والتاريخية. وإعادة البناء الفني للحكاية التراثية، كما تفتح “عرج السواحل” باب النقاش حول الهوية، الذاكرة، وأهمية مواجهة الواقع بدلاً من الهروب إليه.

«عرج السواحل» ليست مجرد مسرحية إماراتية عُرضت على خشبة المسرح، بل تجربة فنية غنية تربط بين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة، بين الفرد والمجتمع. إنها تسلّط الضوء على أسئلة مهمة: كيف نعيش هويتنا؟ ما دور الذاكرة؟ وكيف يمكن للفن أن يسرّب بين ثنايا الترفيه والتأمل؟ بهذا المعنى، تضع “عرج السواحل” نفسها كعمل يستحق القراءة والمشاهدة ضمن مسار المسرح العربي المعاصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى