السياسية

لفتيت يعلن حربا على الفساد الإنتخابي.. لا ترشح للمتلبسين بالفساد أو المدانين قضائيا أو المعزولين

أعلن وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت من قلب البرلمان، إطلاقه “حربا” معلنة على الفساد الانتخابي، وهو يؤكد أن المغرب المقبل على انتخابات تشريعية بلغ من النضج الديمقراطي ما يفرض عليه “تخليق الحياة السياسية والانتخابية بكيفية نهائية”.

وشدد لفتيت على أن الرهان اليوم لم يعد تنظيم الاقتراع فحسب، بل صيانة سمعة المؤسسة النيابية أمام الرأي العام الوطني والدولي، من خلال إرساء قواعد صارمة تمنع المفسدين والمتورطين في جرائم تمس المروءة والاستقامة وسلامة الذمة من الترشح، وتجعل من انتخابات 2026 محطة حاسمة لبناء مشهد سياسي نظيف يقوم على النزاهة والمساءلة والشفافية التامة.

جاء ذلك، خلال تقديم وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، عشية اليوم الأربعاء أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25، القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب.

وفي تقديمه أمام اللجنة، شدد وزير الداخلية على أن المشروع التنظيمي الجديد يهدف أساسا إلى تكريس وتقوية القواعد اللازمة لتخليق انتخابات أعضاء مجلس النواب، وإقرار آليات إضافية لتعزيز تمثيلية الشباب والنساء داخل المؤسسة التشريعية، وتحسين كيفيات تدبير العمليات الانتخابية، فضلا عن دعم شفافية عملية الاقتراع.

وأضاف أن هذا الورش التشريعي يأتي في إطار تصور شمولي يأخذ بعين الاعتبار مستوى النضج الذي بلغته التجربة المغربية في مجال تدبير العمليات الانتخابية، معتبرا أن أبرز التحديات الكبرى التي يتعين رفعها بمناسبة الانتخابات المقبلة تتعلق بـإرساء القواعد الكفيلة بتخليق الحياة السياسية والانتخابية الوطنية بكيفية نهائية.

وأوضح لفتيت أن تحقيق هذه الغاية ليس مجرد توجه حكومي، بل قناعة تتقاسمها جميع الأطراف المعنية، من هيئات حزبية وسياسية ومؤسسات دستورية، من أجل صيانة سمعة المؤسسة النيابية أمام الرأي العام الوطني، وكذا على المستوى الدولي، كما أكد أن الرهان اليوم لم يعد تقنيا أو إجرائيا، بل هو رهان قيمي وأخلاقي يضع في الواجهة مسؤولية الدولة والأحزاب والنخب في بناء ممارسة سياسية مسؤولة ومؤسسات تشريعية تليق بصورة المغرب الديمقراطي.

ولتحقيق ذلك، يقر المشروع مجموعة من القواعد التي تم استلهامها من العبر المستخلصة من الممارسة الانتخابية الوطنية طيلة الانتدابات السابقة، وكذا مما يجري به العمل في الديمقراطيات العريقة، في انسجام تام مع روح الدستور التي تجعل من تخليق الحياة العامة دعامة أساسية للحكامة الديمقراطية.

ومن هذا المنطلق، فإن المشروع التنظيمي الجديد لا يقتصر على مرحلة واحدة من مراحل العملية الانتخابية، بل يرمي إلى تفعيل قواعد التخليق خلال مختلف مراحل المسلسل الانتخابي، بما في ذلك فترة إيداع الترشيحات، وطيلة الحملة الانتخابية، ويوم الاقتراع، وحتى خلال المدة الانتدابية برمتها، لضمان استمرارية الرقابة الأخلاقية والقانونية على أداء المنتخبين.

ويعتبر هذا التوجه نقلة نوعية في فلسفة تدبير الانتخابات، إذ لم يعد الهدف فقط ضمان الشفافية في يوم التصويت، بل الحرص على نظافة المسار الانتخابي منذ بدايته وحتى انتهاء ولاية النائب، وهو ما يعكس رغبة صريحة في بناء برلمان قائم على المصداقية والجدارة، لا على المال الانتخابي أو الزبونية أو الولاءات الظرفية.

وفي هذا الإطار، ينص المشروع الذي تتوفر عليه “الصحيفة” بوضوح على المنع من الترشح لعضوية مجلس النواب في حق كل شخص ضبط في حالة تلبس بارتكاب جرائم معينة، أو الأشخاص الصادرة في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة يترتب عليها بحكم القانون فقدان الأهلية الانتخابية، أو الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة من أجل جناية، فضلا عن الأشخاص الذين تم عزلهم من مهمة انتدابية.

ويؤكد النص أن المنع من الترشح بالنسبة للأشخاص المتابعين في حالة تلبس يسري مع انطلاق فترة إيداع الترشيحات إلى غاية يوم الاقتراع، بحيث إن كل لائحة ترشيح تتضمن اسم مترشح ضبط في حالة تلبس بارتكاب إحدى الجرائم المتعلقة بالمروءة والأخلاق والاستقامة وسلامة الذمة أو الماسة بصدقية وسلامة العملية الانتخابية، والمنصوص عليها في المادة 7 من القانون رقم 57.11 في شأن اللوائح الانتخابية العامة، سيتم رفضها بقرار للسلطة المكلفة بتلقي التصريحات بالترشيح إذا تم ضبط المترشح المعني في حالة تلبس خلال فترة إيداع الترشيحات، أو إلغاؤها إذا تم ضبطه بعد انتهاء المدة المخصصة لإيداع الترشيحات.

ويعني ذلك أن السلطات المختصة ستصبح ملزمة، وفق النص المقترح، برفض أي ترشيح يفتقر إلى شرط المروءة والنزاهة، وهو ما يضع لأول مرة سقفا أخلاقيا صارما أمام الراغبين في دخول البرلمان، ويجعل من السلوك الشخصي والالتزام القانوني معيارا أساسيا في الترشح، لا الانتماء الحزبي أو القاعدة الانتخابية فقط.

وفي ما يتعلق بالأشخاص الصادرة في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة مفقدة للأهلية الانتخابية، فإن ذلك سيترتب عنه منع المعني بالأمر من الترشح، ونفس الشيء بالنسبة للأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة من أجل جناية، حيث إنه اعتبارا لجسامة الفعل الجرمي المرتكب، فإن صدور الحكم الابتدائي يترتب عنه، بكيفية فورية، فقدان الأهلية الانتخابية، دون انتظار صدور الحكم النهائي، وهو ما يشكل تحوّلا نوعيا في التعاطي مع القضايا الانتخابية المرتبطة بالفساد أو الانحراف السلوكي.

بهذا الإجراء، يكون المشروع قد أغلق الباب أمام المترشحين الذين اعتادوا استغلال ثغرات المسطرة القضائية للعودة إلى السباق الانتخابي رغم وجود إدانات قضائية ابتدائية ضدهم، وهو ما كان يثير سخطا واسعا لدى الرأي العام ويقوض الثقة في المؤسسات.

وفي نفس التوجه الرامي إلى تخليق الحياة السياسية والانتخابية الوطنية، جاء المشروع لوضع حد للوضعية الحالية التي تتيح للمنتخبين الذين تم عزلهم من مسؤولية انتدابية، بسبب ارتكابهم مخالفات جسيمة، استرداد الأهلية الانتخابية بعد انصرام مدة انتدابية واحدة والعودة لتولي مناصب المسؤولية داخل المؤسسات التمثيلية، وهي الظاهرة التي لطالما اعتُبرت من أبرز مظاهر اختلال منظومة القيم في المشهد الانتخابي المغربي، وأثارت انتقادات قوية من طرف الرأي العام ووسائل الإعلام.

وفي هذا السياق، ينص المشروع على تشديد آثار العقوبة في حق المنتخبين الذين وقع عزلهم من مسؤولية انتدابية، من خلال تمديد فترة منعهم من الترشح إلى مدتين انتدابيتين كاملتين، أي أن المنتخب الذي يُعزل بسبب مخالفات جسيمة لن يتمكن من الترشح مجددا إلا بعد مرور فترتين تشريعيتين كاملتين، وهو ما يشكل ردعا قانونيا وأخلاقيا غير مسبوق في المنظومة الانتخابية المغربية.

ووفق ما جاء في النص، فإن الهدف من هذا الإجراء هو حث المنتخبين على التحلي بخصال الاستقامة والنزاهة في تدبير شؤون الجماعات الترابية التي يوجدون على رأسها، وإعادة الثقة في المؤسسات المنتخبة عبر إبعاد كل من أساء استعمال سلطته الانتدابية أو أخل بمسؤوليته التمثيلية.

مشروع القانون التنظيمي الجديد لا يقف عند حدود ضبط المخالفين، بل يسعى إلى بناء ثقافة سياسية جديدة تجعل من الاستقامة والنزاهة أساسا للعمل السياسي، وتجعل من البرلمان مؤسسة تحظى بالاحترام الشعبي والدولي فالقواعد الجديدة، كما أوضح لفتيت، تم استلهامها من التجربة الوطنية ومن المعايير المعتمدة في الديمقراطيات العريقة، لتجعل من القاعدة الأخلاقية حجر الزاوية في المشاركة السياسية.

وتأتي هذه الخطوة في سياق مرحلة دقيقة، يواجه فيها المشهد الحزبي المغربي تحديات حقيقية تتعلق بتراجع ثقة المواطن في جدوى العملية الانتخابية، وتزايد الفجوة بين الناخب والمنتخب، وهي أزمة لا يمكن تجاوزها دون إعادة الاعتبار للقيم التي تأسست عليها الممارسة الديمقراطية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى