السياسيةسلايدر

تكليف وزير الداخلية بالإشراف على الانتخابات… حين يُساء فهم منطق الدولة

✍️ بقلم: د. أمحمد أقبلي

في زمن تسارعت فيه الأحكام وتناقص فيه التبصر، صار القرار المؤسساتي يُجتزأ من سياقه، ويُحمَّل تأويلات مستعجلة، لا تصمد أمام منطق الدولة ولا أمام ميزان العقل.

ومن ذلك، ما أثير مؤخراً حول تكليف جلالة الملك محمد السادس نصره الله لوزير الداخلية بالإشراف على التحضير للانتخابات المقبلة، حيث سارع البعض إلى اعتباره مؤشراً على “تراجع الثقة” في رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، متناسين أن الحكم على القرارات الكبرى يتطلب فهماً عميقاً لبنية الدولة وتاريخ مؤسساتها ومقتضيات المرحلة.

إن هذا التكليف ليس استثناءً عن القاعدة، بل هو امتداد لنهج مؤسسي راسخ في تدبير العمليات الانتخابية، حيث كانت وزارة الداخلية، عبر عقود، الجهاز الإداري المؤهل لضمان الجاهزية اللوجستيكية والحياد التنظيمي. فتكليفها لا يلغي دور رئيس الحكومة، بل يعكس توزيعاً عقلانياً للأدوار بين الفاعلين المؤسساتيين في انسجام تام مع الرؤية الملكية.

أما السيد عزيز أخنوش، فلا يزال في صلب الفعل التنفيذي والسياسي، يقود أوراشاً بنيوية كبرى، ويشتغل ضمن رؤية تنموية استراتيجية حدد جلالة الملك معالمها. إن حضوره لا يُقاس بعدد الملفات التي تُسند إليه، بل بوزن القرارات التي يتحمل مسؤوليتها، وبما يُترجمه من التزامات على أرض الواقع.

والأهم، أن الثقة الملكية لا تُقاس بتكليف إداري أو ظرفي، بل تُجسّد من خلال الاستمرار في قيادة العمل الحكومي، وتفعيل الإصلاحات، وضمان التناغم مع التوجيهات الملكية السامية. وهذه الثقة لا تزال قائمة، بل تتعزز بالأداء، لا بالشعارات.

ومن الخطأ الجسيم أن يُحوَّل قرار من هذا النوع إلى مادة للاتهام الرمزي أو التصفية السياسية. فذلك يُفرغ الدولة من مؤسساتها، ويُحول النقاش العمومي من قضية بناء إلى أداة هدم، ومن ثقافة المسؤولية إلى ثقافة التأويل المُغرض.

في المحصلة، إن الدولة لا تُقاس بالمزاج، بل بالمنطق؛ ولا تُدار بالانفعال، بل بالحكمة. والوطن في حاجة إلى من يُراكم، لا من يُفرّغ؛ إلى من يبني، لا من يُفسّر. أما المسؤولية، فهي لا تُقاس بعارض تكليف، بل بثقل الأمانة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى