جديد24

الفساد المالي والسياسي وتجديد النخب بالمغرب: بين خطاب العرش ومتطلبات “الجواز الأبيض”

صوت من الجبل

1. من الخطاب الملكي إلى جوهر الإصلاح

أكد جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش على أن السياسة لا يمكن أن تبقى رهينة المصالح الضيقة، داعياً إلى:

> “تجديد النخب السياسية والإدارية، وضخ دماء جديدة تتحلى بروح المسؤولية، وتضع خدمة المواطن فوق كل اعتبار.”【1】

إن هذا التوجيه الملكي لا يُختزل في مجرد نصيحة، بل يُشكل خارطة طريق ملزمة للأحزاب وللنخب، خصوصاً ونحن مقبلون على استحقاقات 2026 التي ستحدد ملامح العقد السياسي المقبل.

2. تكليف وزير الداخلية: دلالة سياسية قوية

لقد كلف جلالة الملك وزير الداخلية بالإشراف على إعداد القوانين الانتخابية، في رسالة واضحة تعكس جدية الدولة في ضبط العملية السياسية، والتصدي لكل أشكال العبث والفساد التي تُفرغ الانتخابات من مضمونها.
إن هذا التكليف لا يجب أن يُقرأ كإجراء تقني، بل كتحذير مباشر من أن المجال السياسي لا يمكن أن يبقى مستباحاً للمال الفاسد أو للممارسات العائلية الضيقة.

3. منطق الجواز الأبيض: شرط للترشح

إذا كان الهدف هو بناء ثقة جديدة بين المواطن والمؤسسات، فإن الأمر يقتضي اعتماد معيار صارم للترشح، أساسه “جواز سفر أبيض”:

لا تُقبل ترشيحات كل من تحوم حوله شبهة فساد مالي أو إداري.

تُربط التزكيات بنتائج تقارير المجلس الأعلى للحسابات【2】، حتى لا يُكافأ من أخلّ بالأمانة بتجديد مناصبه.

يُمنع من تقلّد أي مسؤولية من ثبت تورطه في نهب المال العام أو سوء التدبير، حتى تعود للمؤسسات مصداقيتها الأخلاقية والسياسية.

4. تبييض المال والسيطرة على المؤسسة التشريعية

إن الخطر الحقيقي يكمن في أن تتحول المؤسسة التشريعية إلى أداة لحماية الفاسدين:

تبييض المال عبر السياسة أصبح وسيلة مفضلة للأغنياء الجدد الذين يبحثون عن الحصانة.

كثير من المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في تقارير المحاكم المالية يعودون للواجهة عبر الانتخابات، في تناقض صارخ مع مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الدستور【3】.

النتيجة: سطو مقنن على البرلمان وتحويله من سلطة رقابية إلى فضاء للتحصين.

5. دروس من التجارب المقارنة

التجارب الدولية تثبت أن محاربة هذا النمط من الفساد ممكنة:

فرنسا: قانون 2017 حول الثقة في الحياة السياسية أرسى شروط النزاهة كشرط للترشح، ومنع تضارب المصالح.

إسبانيا: فضيحة غورتيل دفعت إلى ملاحقات قضائية طالت قيادات سياسية كبرى، مما أعاد الاعتبار لفكرة المحاسبة.

تونس: تجربة ما بعد 2011 كشفت أن ترك المجال لرجال الأعمال المشبوهين داخل البرلمان أدى إلى تقويض الثقة في المسار الديمقراطي برمته.

هذه النماذج تؤكد أن تجديد النخب يستحيل دون محاسبة صارمة للفاسدين وإبعادهم نهائياً عن مؤسسات التمثيل الشعبي.

6. استحقاقات 2026: لحظة مفصلية

الانتخابات المقبلة ليست مجرد محطة لتوزيع المقاعد، بل امتحان حقيقي لمصداقية الحياة السياسية:

هل نملك الشجاعة لاعتماد جواز أبيض يجعل من النزاهة شرطاً للترشح؟

هل ستلتزم الأحزاب بقطع الطريق أمام من تحوم حولهم شبهات الفساد المالي والإداري؟

هل ستظل المؤسسة التشريعية رهينة للمال والولاءات، أم تتحول إلى بيت للأمة فعلاً؟

7. نحو قطيعة تاريخية

إن المغرب، وهو يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية عميقة، لا يحتمل مزيداً من العبث السياسي. المطلوب اليوم هو حزمٌ تشريعي وسياسي يعيد تعريف من يحق له ولوج المؤسسات: لا ولاء إلا للكفاءة والنزاهة، ولا مكان لخونة المال العام والأغنياء الجدد.

🔴 الخلاصة

من دون اعتماد جواز سفر أبيض يضمن نظافة اليد والسيرة، ومن دون الحزم في إبعاد كل من تورط أو تحوم حوله الشبهات، ستظل الانتخابات مجرّد واجهة شكلية. أما استحقاقات 2026، فهي إما أن تكون محطة لتجديد الثقة والنخب، أو لحظة تثبيت نهائي لسطو المال الفاسد على الديمقراطية.

📚 الهوامش

【1】 خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش (2023).
【2】 تقارير المجلس الأعلى للحسابات (2018-2023): رصد اختلالات مالية وإدارية في تدبير الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.
【3】 دستور 2011، الفصل الأول: “النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى