جديد24

رخصة حمل السلاح ومواسم القنص في التشريع المغربي: دراسة فقهية وقضائية مقارنة بالقانون الفرنسي

بقلم: الدكتور امحمد أقبلي
رئيس جماعة أجلموس – إقليم خنيفرة
جميع الحقوق الفكرية محفوظة

يُعدّ تنظيم حمل السلاح وممارسة القنص من المواضيع القانونية التي تتقاطع فيها مقتضيات الأمن العام ومتطلبات الحماية البيئية ومبادئ دولة القانون. فبين ضمان النظام العام من جهة، وصون الحرية الفردية في ممارسة القنص بوصفها عادة اجتماعية ذات جذور تراثية من جهة أخرى، تبرز الحاجة إلى توازن دقيق بين الإذن الإداري والرقابة الزجرية.

لقد شهد الإطار القانوني المغربي في هذا المجال تحولاتٍ متلاحقة، من ظهير 31 مارس 1937 المنظم لحيازة الأسلحة النارية واستعمالها، إلى ظهير 21 يوليوز 1923 بشأن مراقبة القنص، ثم القانون رقم 54.03 الصادر سنة 2006، وأخيرًا القانون رقم 86.21 لسنة 2022 الذي أدخل تحديثًا جذريًا على الترسانة القانونية، مؤكدًا أن حمل السلاح أو ممارسته لا يمثلان حقًا مكتسبًا بل امتيازًا إداريًا خاضعًا لتقدير السلطة.

وتكتسي هذه الدراسة أهمية علمية مضاعفة لأنها لا تقتصر على تحليل النصوص، بل تتناول أيضًا الاجتهاد القضائي المغربي الذي ساهم في تحديد معالم المفهوم القانوني للقنص، مع استحضار النموذج الفرنسي الذي يُعدّ مرجعًا تشريعيًا متقدمًا في ضبط هذه الممارسة وفق فلسفة بيئية دقيقة.

ينطلق هذا البحث من التساؤل المحوري الآتي:
هل تُعدّ رخصة حمل السلاح أو رخصة القنص في القانون المغربي حقًّا قانونيًا أم امتيازًا إداريًا، وما مدى فعالية النظام الزجري في حماية الموارد الطبيعية من خلال ضبط مخالفات القنص؟

ومن هذه الإشكالية تتفرع الأسئلة التالية:

1. ما مدى تطور النظام القانوني المغربي لحمل السلاح والقنص في ضوء القانون 86.21؟

2. كيف تعامل القضاء المغربي مع المخالفات المرتبطة بالقنص دون ترخيص أو خارج الموسم القانوني؟

3. ما أوجه الاختلاف بين المقاربة المغربية والفرنسية في تعريف فعل القنص وشروط الترخيص والعقوبات؟

اعتمدت الدراسة المنهج التحليلي المقارن عبر تحليل النصوص القانونية المغربية (الظهائر، القوانين، المراسيم) والقرارات القضائية، ثم مقارنتها بالنظام الفرنسي كما ورد في مدونة البيئة الفرنسية (Code de l’environnement) ومدونة الأمن الداخلي (Code de la sécurité intérieure). وتمّ التركيز على المواد L.420-3 إلى L.428-5-1 التي تُنظّم مفهوم فعل القنص والعقوبات المرتبطة به.

المبحث الأول: الإطار القانوني المغربي لحمل السلاح والقنص

يُعتبر الإطار القانوني المغربي لحمل السلاح والقنص نتاجًا لتطور تاريخي وتشريعي طويل، عكس تفاعل الدولة مع التحديات الأمنية والبيئية المتجددة. ومن أجل الإحاطة به، يُمكن التمييز بين جانبين متكاملين: الأول يتعلق بتنظيم حيازة الأسلحة النارية كآلية خاضعة للترخيص الإداري، والثاني يرتبط بتنظيم القنص ومواسمه باعتباره نشاطًا خاضعًا للضبط القانوني ومؤطرًا بمقتضيات بيئية دقيقة.

المطلب الأول: تطور النظام القانوني لحمل السلاح في المغرب

قبل الخوض في التفاصيل المرتبطة بتنظيم القنص، من الضروري الوقوف على النظام القانوني المنظم لحمل السلاح ذاته، باعتباره الأساس الذي تقوم عليه ممارسة القنص.

يُعتبر ظهير 31 مارس 1937 الإطار التاريخي المؤسس لتنظيم حمل الأسلحة النارية واستعمالها بالمغرب. وقد كان هدفه في الأصل ضبط حيازة الأسلحة حمايةً للنظام العام، حيث اشترط الترخيص المسبق للحمل أو الحيازة أو الاتجار. وقد كرس هذا الظهير فكرة جوهرية هي أن الترخيص لا يمنح لصاحبه حقًا مكتسبًا، بل هو امتياز إداري يخضع لسلطة تقديرية مطلقة للإدارة في المنح أو السحب¹.
غير أن التحولات الأمنية والتكنولوجية الحديثة جعلت هذا الإطار متجاوزًا، فصدر القانون رقم 86.21 بتاريخ 9 يناير 2023، الذي جاء ليُوحّد النصوص ويواكب تطور الأسلحة الحديثة. وقد صنّف هذا القانون الأسلحة إلى فئات (أ، ب، ج) بحسب درجة الخطورة وطبيعة الاستعمال (قنص، رماية، دفاع)، وألزم طالبي الترخيص بشروط قانونية وصحية صارمة، من بينها الخضوع لفحص طبي دوري والتأمين الإجباري ضد الحوادث². كما شدد العقوبات على الاستعمال غير المشروع أو على نقل السلاح دون تصريح، إذ نصّ على عقوبات حبسية تتراوح بين سنة وخمس سنوات وغرامات تصل إلى 50.000 درهم³.
وتُبرز هذه المقتضيات أن المشرّع المغربي انتقل من منطق “الرقابة بعدية” إلى منطق “الوقاية المسبقة”، مما يعكس رؤية أمنية حديثة تُقارب حمل السلاح باعتباره مسؤولية قانونية لا امتيازًا مطلقًا.

المطلب الثاني: تنظيم القنص ومواسمه في القانون المغربي

بعد تحديد الإطار العام لحمل السلاح، يبرز النظام القانوني للقنص بوصفه تطبيقًا ميدانيًا لذلك الترخيص، ومجالًا تتقاطع فيه الضوابط البيئية مع الرقابة الزجرية.

نظم القانون رقم 54.03 الصادر سنة 2006 مراقبة القنص في إطار حماية البيئة وتدبير الثروة الحيوانية. وقد أكد الفصل الأول من ظهير 21 يوليوز 1923 المعدل أن حق القنص ملكٌ للدولة وليس للخواص، مما يعني أن ممارسته لا تجوز إلا بترخيص إداري⁴.
يشترط القانون توفر الصياد على ثلاث وثائق رئيسية: رخصة حمل السلاح، رخصة القنص المسلمة من عامل الإقليم، وبطاقة الانخراط في الاتحاد الملكي المغربي للقنص⁵. كما حظر القنص في المحميات، والمناطق المزروعة، والحقول القريبة من التجمعات السكنية، وحدد مواعيد موسمية تمتد عادةً من أكتوبر إلى فبراير⁶.

وفي الاجتهاد القضائي، أكدت محكمة النقض في قرارها الصادر بتاريخ 9 يوليو 2008 أن الصيد خارج الموسم القانوني، ولو بترخيص خاص غير محدد المدة، يُعدّ مخالفة لأن الترخيص لا يُفسّر إلا تفسيرًا ضيقًا⁷. كما أيدت محكمة الاستئناف ببني ملال حكمًا يقضي بغرامة 15.000 درهم وسحب الرخصة بسبب ممارسة القنص ليلاً وبوسائل محظورة، معتبرةً أن توافر الزمان والوسيلة المحظورين ظرفٌ مشدد يبرر العقوبة⁸.

تُبرز هذه السوابق أن القضاء المغربي يكرس الطبيعة التنظيمية للرخصة ويرفض أي توسع في تفسيرها، مما يُؤكد أن القنص نشاط مقيد لا يُمارس إلا في إطار الضوابط القانونية الدقيقة.

المبحث الثاني: المقارنة الفقهية والقضائية مع النظام الفرنسي

لإغناء التحليل، يقتضي المنهج المقارن الوقوف عند النظام الفرنسي الذي يُعتبر من أكثر الأنظمة القانونية دقةً في تنظيم القنص وحيازة السلاح، إذ وضع تعاريف دقيقة للأفعال المكوِّنة للجريمة، ورتب عليها عقوبات متدرجة، وهو ما يمكن للمشرع المغربي الاستفادة منه في سبيل تطوير منظومته القانونية.

المطلب الأول: تعريف فعل القنص وشروط الترخيص في فرنسا

يشكل التعريف التشريعي لفعل القنص نقطة تميّز أساسية في القانون الفرنسي، إذ يحدد نطاق التجريم بدقة، ويُسهم في تجنب التباس المفاهيم أثناء التطبيق القضائي.

عرّف المشرّع الفرنسي فعل القنص في المادة L.420-3 من مدونة البيئة بأنه “كل بحث أو مطاردة أو انتظار يُقصد به الإمساك أو قتل الحيوان البري، سواء تحقق ذلك فعلاً أم لا”. وهذا التعريف الواسع مكّن القضاء الفرنسي من ضبط المفهوم القانوني للقنص حتى في الحالات التي لا يتم فيها قتل الحيوان⁹.

أما الترخيص، فيتمثل في “Permis de chasser”، وهي وثيقة تصدر عن المكتب الفرنسي للتنوع البيولوجي (OFB) بعد اجتياز امتحان نظري وعملي، وتُجدّد سنويًا مع اشتراط التأمين الإجباري ضد الحوادث¹⁰. وتُسحب الرخصة تلقائيًا في حال ارتكاب مخالفات جسيمة كالقنص ليلاً أو في المحميات أو باستخدام وسائل محظورة.

يُلاحظ أن المشرّع الفرنسي اعتمد مقاربة مفهومية دقيقة تُعرّف الفعل المادي بوضوح، مما قلل من النزاعات القضائية حول التكييف، وهو ما يفتقر إليه التشريع المغربي الذي لا يتضمن تعريفًا صريحًا لفعل القنص

المطلب الثاني: نظام العقوبات والظروف المشددة في القانون الفرنسي

بعد تحديد الأساس المفاهيمي لفعل القنص، يبرز الجانب الزجري بوصفه أداة لحماية البيئة وردع المخالفين، حيث يبرع التشريع الفرنسي في ضبط هذا الجانب من خلال تحديد دقيق للظروف المشددة.

نظم المشرع الفرنسي العقوبات في المواد L.428-4 إلى L.428-5-1 من مدونة البيئة. وتُعتبر الظروف المشددة إحدى سمات هذا النظام، حيث تُرفع العقوبة إلى السجن أربع سنوات وغرامة 60.000 يورو في حال اجتماع ظروف معينة، منها: ممارسة القنص ليلاً، أو داخل محمية، أو باستعمال مركبة، أو بسلاح محظور¹¹. كما تُضاعف العقوبة في حالة التكرار أو ارتكاب الفعل في تجمع أو بصفة منظمة.

ويجيز القانون الفرنسي للقضاء أن يصادر الأسلحة والطرائد والوسائل المستعملة، وأن يمنع المخالف من ممارسة القنص لسنوات محددة.

إن المقارنة مع التشريع المغربي تُظهر أن القانون الفرنسي يتميز بوضوح بنيوي وتدرج في العقوبات، بينما يتسم النظام المغربي بتعدد النصوص وتداخلها مما يحدّ من الفعالية الزجرية ويُصعّب التكييف. ومع ذلك، فإن الفلسفة العامة في كلا النظامين واحدة: حماية البيئة وضبط استعمال السلاح تحت رقابة الدولة.

يتضح من خلال هذه الدراسة أن التشريع المغربي خطا خطوات مهمة نحو تحديث منظومته القانونية المتعلقة بحمل السلاح والقنص، عبر القانون 86.21 الذي أقرّ مبدأ الامتياز الإداري، والقانون 54.03 الذي أحكم تنظيم القنص ومواسمه. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في النصوص بقدر ما يكمن في فعالية التطبيق القضائي والميداني، وفي غياب تعريف تشريعي دقيق لفعل القنص ولائحة موحدة للظروف المشددة.

إن التجربة الفرنسية تقدم نموذجًا متقدّمًا في الوضوح التشريعي وصرامة الردع، وهو ما يمكن للمغرب الاستفادة منه بتوحيد النصوص المتفرقة، وإدراج تعريف شامل لفعل القنص، وتشديد العقوبات في حالات العود أو استعمال الوسائل المحظورة، مع رقمنة نظام الرخص والمراقبة.

وبذلك يتحقق التوازن بين الحق في ممارسة القنص كتراث اجتماعي، وبين حماية الثروة الطبيعية وصون الأمن العام في إطار دولة القانون.

الهوامش والمراجع:

1. الظهير الشريف الصادر في 31 مارس 1937 بشأن مراقبة الأسلحة النارية والعتاد، الجريدة الرسمية عدد 1339، 1937.

2. القانون رقم 86.21 المتعلق بحيازة الأسلحة النارية وأجزائها ومكوناتها وذخيرتها، الجريدة الرسمية عدد 7159 بتاريخ 9 يناير 2023.

3. المادة 71 من القانون 86.21.

4. الفصل الأول من ظهير 21 يوليوز 1923 بشأن مراقبة القنص.

5. القانون رقم 54.03 الصادر بتاريخ 15 يوليوز 2006 بتغيير وتتميم ظهير القنص.

6. القرار الوزاري السنوي المنظم لمواسم القنص (وزارة الفلاحة – المديرية العامة للمياه والغابات).

7. قرار محكمة النقض عدد 6185/1/2007، غير منشور، مأخوذ من دراسة د. عبد العزيز الأحمدي، “القنص بين التنظيم والتطبيق”، المجلة القانونية المغربية، عدد 2010.

8. حكم محكمة الاستئناف ببني ملال رقم 336/06 بتاريخ 2006.

9. Code de l’environnement, art. L.420-3, France.

10. Office français de la biodiversité (OFB), Guide du permis de chasser, 2024.

11. Code de l’environnement, art. L.428-4, L.428-5, L.428-5-1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى