جديد24

الشباب بين التحفيز القانوني والعجز البنيوي: نحو مقاربة فلسفية وقانونية للتمكين السياسي في المغرب

 بقلم: الدكتور امحمد أقبلي
رئيس جماعة أجلموس- إقليم خنيفرة

يشكل الشباب في المجتمعات الحديثة المحرك الرئيس للتغيير الاجتماعي والسياسي، وهم – كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم – «الطاقة الحيوية التي تُعيد إنتاج المجتمع باستمرار»[1].

غير أنّ حضورهم في المجال السياسي المغربي ما يزال ضعيفًا، رغم وضوح الإرادة الملكية السامية في جعل الشباب في قلب السياسات العمومية، كما ورد في خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس التي دعت إلى “إعطاء الفرصة للكفاءات الشابة للمساهمة في خدمة الوطن”[2].

إنّ تحليل مسألة تمكين الشباب سياسياً في السياق المغربي يقتضي تجاوز القراءة التقنية للنصوص القانونية، إلى قراءة سوسيولوجية وفلسفية ترى في المشاركة السياسية مؤشراً على الاندماج الاجتماعي والاعتراف بالمواطنة الفاعلة، كما صاغها تشارلز تايلور في نظريته حول “الاعتراف المتبادل”[3].

أولاً: الإطار القانوني والسياسي لتمكين الشباب

منذ دستور 2011، عرفت المنظومة التشريعية المغربية تحولات مهمة في اتجاه تعزيز مشاركة الشباب. فقد نص الفصل 33 من الدستور على أن الدولة تعمل على توسيع مشاركة الشباب في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو تكريس قانوني لمبدأ العدالة الجيلية.

1. التحفيز المالي والتمويلي

أقرّت وزارة الداخلية في مشاريع القوانين الانتخابية الأخيرة دعماً مالياً للمترشحين الشباب يصل إلى 375.000 درهم، وهو آلية تمكينية ذات بعد تحفيزي.
غير أن هذا الدعم، من منظور سوسيولوجي، لا يعالج جوهر الإشكال المرتبط بـ هيمنة رأس المال الاقتصادي والاجتماعي في المجال السياسي، كما يصفه بيار بورديو[4]، إذ تبقى فرص المنافسة محدودة أمام الأعيان الذين يمتلكون شبكة نفوذ ومكانة رمزية راسخة.

2. التبسيط الإجرائي والرقمنة

من بين المستجدات المهمة إدخال المنصات الرقمية لتلقي الترشيحات، وهي خطوة في اتجاه ديمقراطية إلكترونية (e-democracy)، تضمن شفافية نسبية وتقلص الكلفة الإدارية.

لكن كما يلاحظ الفيلسوف يورغن هابرماس، فإنّ التكنولوجيا وحدها لا تكفي دون فضاء عمومي نقدي يتيح مشاركة حقيقية في القرار السياسي[5].

الشباب بين التحفيز القانوني والعجز البنيوي: نحو مقاربة فلسفية وقانونية للتمكين السياسي في المغرب: العوائق البنيوية والسوسيولوجية أمام المشاركة

رغم الحوافز القانونية، ما تزال المشاركة السياسية للشباب في المغرب محدودة بفعل بنية اجتماعية واقتصادية معقدة، يمكن تحليلها من خلال ثلاث مستويات متداخلة:

1. البنية الاقتصادية واللامساواة في الموارد

إنّ اللامساواة الطبقية وغياب العدالة في توزيع الموارد الانتخابية تجعل مبدأ تكافؤ الفرص نظريًا فقط. ويعبر المفكر جون رولز في نظريته عن العدالة الاجتماعية عن هذا الخلل قائلاً: “العدالة ليست في المساواة الشكلية، بل في تصحيح شروط الانطلاق”[6].

2. البنية الثقافية والمحافظة الاجتماعية

ما تزال العلاقات التقليدية والروابط القبلية والعائلية تهيمن على سلوك الناخب، وهو ما يعيد إنتاج منطق الزبونية السياسية. وهنا يمكن استحضار مقولة ماكس فيبر حول “الشرعية التقليدية” التي تَحول دون تحديث الفعل السياسي[7].

3. ضعف الوساطة الحزبية

لم تستطع الأحزاب السياسية بناء جسر ثقة مع الشباب، فبقيت إطارات بيروقراطية أكثر منها مؤسسات تأطير وتكوين. ويلاحظ الباحث المغربي عبد الله ساعف أن “الشباب المغربي يعيش قطيعة رمزية مع الأحزاب، لا بسبب الرفض الأيديولوجي، بل بسبب غياب الأفق التشاركي داخلها”[8].

ثالثاً: نحو نموذج تأهيلي جديد للتمكين السياسي للشباب

1. من التمكين القانوني إلى التمكين المؤسساتي

إنّ منح الدعم المالي ليس كافياً دون إطار مؤسساتي للمواكبة. لذا يُقترح إنشاء مرصد وطني للمشاركة الشبابية، يتولى تقييم الأثر الفعلي للسياسات العمومية، وإعداد تقارير سنوية حول وضعية تمثيلية الشباب في البرلمان والمجالس المنتخبة.

2. إصلاح المنظومة الحزبية

التمكين الحقيقي يمر عبر تجديد الوساطة الحزبية، من خلال فرض كوتا شبابية داخل الأجهزة القيادية، وإحداث مدارس حزبية للتكوين السياسي تشبه نموذج “الأكاديمية الديمقراطية” في ألمانيا التي أشار إليها يورغن هابرماس في أعماله حول المواطنة التداولية[9].

3. التأهيل الثقافي والفكري

ينبغي الاستثمار في رأسمال الشباب الثقافي والمعرفي، عبر برامج تكوين في القيادة والتواصل وفهم السياسات العمومية. فكما يرى أنطونيو غرامشي، “المثقف العضوي هو من يمارس السياسة بفكر نقدي لا بخطاب عاطفي”[10].
وهنا تبرز ضرورة إدماج التعليم، والإعلام، والمجتمع المدني في مشروع وطني لتكوين جيل سياسي جديد قادر على الترافع والمبادرة.

خاتمة

إنّ الرهان على الشباب لا يمكن أن يظل شعاراً سياسياً، بل هو مطلب استراتيجي لاستدامة الدولة الوطنية وتجديد العقد الاجتماعي.

فالتمكين السياسي لا يتحقق بالقوانين وحدها، بل بخلق ثقافة سياسية نقدية تجعل من المشاركة فعلًا واعياً ومسؤولاً.

وحين تتحول الإرادة الملكية في إشراك الشباب إلى بنية مؤسساتية فاعلة، يصبح الطريق مفتوحًا نحو مغرب يتجدد بطاقاته الشابة، ويترجم العدالة الجيلية إلى ممارسة واقعية تعيد الاعتبار للسياسة كمجال لخدمة المصلحة العامة.

📚 المراجع والهوامش

[^1]: Émile Durkheim, De la division du travail social, PUF, Paris, 1893.
[^2]: الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية، 14 أكتوبر 2016.
[^3]: Charles Taylor, The Politics of Recognition, Princeton University Press, 1992.
[^4]: Pierre Bourdieu, La Distinction, Minuit, Paris, 1979.
[^5]: Jürgen Habermas, The Structural Transformation of the Public Sphere, MIT Press, 1989.
[^6]: John Rawls, A Theory of Justice, Harvard University Press, 1971.
[^7]: Max Weber, Économie et société, Plon, Paris, 1971.
[^8]: عبد الله ساعف، الشباب والمشاركة السياسية في المغرب، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2018.
[^9]: Jürgen Habermas, Between Facts and Norms, MIT Press, 1996.
[^10]: Antonio Gramsci, Les intellectuels et l’organisation de la culture, Éditions Sociales, 1975.

📘 الملكية الفكرية محفوظة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى