بعد مرور عقد من الزمن ،تعاقب على تسيير وإدارة مستشفى الحسن التاني بخريبكة ،كثير من المدراء لاعطاء دفعة قوية لهذه المؤسسة الحيوية بالمدينة والاقليم ،المرتبطة بقطاع حساس ، يسمى مجازا بقطاع الصحة ،وهو في حقيقة الامر، تخريب لكل مقومات الصحة في أبعادها النفسية والعقلية والجمالية ،الا باستثناء واحد يترجمه طبيب مقتدر، بسلوكه وانضباطه وتفانيه في أداء واجبه ،كنقطة ضوء شاردة بقسم المستعجلات تحديدا ، أقول :لم يستطع هذا المستشفى الذي يتمتع بتصميم جيد ومساحة كبيرة ،أن يرقى الى مستوى تقديم خدمات صحية، تتناسب مع كرامة المواطنين والمرضى باقليم خريبكة ، بحيث تحول الى حصن منيع لايكترث للمرضى ، ولايمتثل للقانون ولا للضمير المهني ، وسلم إدارته ومخزن أدويته لبعض العقول التافهة /الحاقدة على الوضع الإداري ،تعبث بها كيف ما تريد ، ووفق حساباتها الضيقة وولاءتها لبعض وجهاء واعيان الاقليم ٠
لم يستسلم المتتبعون والمعنيون والمناضلون والاعلاميون ،لهذا الوضع ،بل ضربوا ناقوس الخطر في كثير من المحطات النضالية، بدءا من تنظيم وقفات ،ومرورا بقيام احتجاجات على الوضع المتردي،وانتهاء بكتابة مقالات عديدة تنذر ، بتدني مستوى أداء هذه المؤسسة الآيلة للسقوط لا محالة ،وذلك انطلاقا من عجز كل المدراء ومعهم مندوبي وزارة الصحة ،الذين تعاقبوا على كرسي المسؤولية ، في معالجة الأمر ،بسيادة الانضباط والتحلي بالاخلاق المهنية،ومحاربة المحسوبية والرشوة او مايصطلح عليه بالفساد الاداري ،ولكن كما يقول الشاعر-عمرو بن معد :
قد ناديت لو أسمعت حيا #ولكن لا حياة لمن تنادي ٠
عجز يفسره بعض المتتبعين خارج المؤسسة ، وبعض الممارسين في نفس القطاع ،بكونه يعزى الى الاستقواء النقابي ، او قل : الصراع النقابي بين المكونات الحزبية التي تتجاذبها مختلف التيارات السياسية ، التي اصبحت تشكل كتلة ضغط على اي مسؤول ، ينشد الانضباط ويسعى من خلاله الى إعادة الامور الى نصابها، غير ان هذا المبرر هو كلام حق أريد به باطل ،لماذا ؟ لان الحق النقابي يكفله الدستور ، في دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات ،لكن تأطيره واحتواؤه يتطلب كفاءة خاصة وقوة مختلفة تؤمن باحترام القانون ولاشيء غيره، غداة اختيار مندوب معين او مدير ما ،لكن للاسف اخفاق عدد كبير منهم ، كان بفعل اسقاط وتنحية الكفاءات ذات تكوين مشرف ، التي تتميز باليقظة والابداع وتنبذ ثقافة الخوف ،الى أن ظل المستشفى كالبيت الخرب ،يفتقر الى الاطباء والاطر ،وكذا الاجهزة الحيوية المتعلقة بالفحص على اختلاف مهامه ،دون حسيب ولا رقيب ، حتى أضحى كل المرضى بدون استثناء يتعايشون مع الفوضى ،والتسيب الاداري المكشوف ٠
في غضون هذا الاسبوع بذات المستشفى، كشفت إحدى قاعات المستشفى بقسم الطب العام سلوكا مشينا ،يتعلق بالتحريض على الفساد،والخيانة الزوجية والمشاركة فيها وتبادل الصور الخليعة ، لامراة تشرف على نفس القطاع بشكل غير رسمي ، وهو مايدل على أن مستشفى إقليم خريبكة أصيب في مقتل ،وأن الوزارة الوصية سلمته لأيادي غير أمينة على اوضاع المرضى دون خجل أو حياء ، مما يستدعي بالتبعية من وزير (انعدام الصحة )ان يقدم استقالته فورا وباعتذار لكل المغاربة ٠
في الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها،وتؤمن باحترام المؤسسات ، لايستسيغ وزراؤها ان تنعتهم الصحافة والمجتمع المدني بالاهمال ،الذي لم يعد سلوكا منبوذا فحسب يرتب تأديبا وعقوبات إدارية ،بل أضحى جريمة نكراء ،تدفع بالوزير المسؤول عن القطاع الى تقديم استقالته ٠ أما في المغرب فالامر مختلف، بحكم ان وزراءنا أدمنوا على الاهمال وتعايشوا معه ،واصبحوا لايتورعون في اهانة المغاربة بابتساماتهم الماكرة ،كل ما حلت فاجعة بابنائهم ،نتيجة اخطاء قاتلة ، تستدعي من الوزير المشرف على القطاع ان يترك كرسيه لمن يستحقه ،لذلك كترث المآسي في المؤسسات ،ولنا في مستشفى الحسن التاني النموذج الصارخ لهذا الاهمال ، الذي يضجر منه المرضى والمجتمع ،بسبب ازمة تسيير دائمة ،فإلى اين ؟