جديد24سلايدر

“علاش مهربوش ملي شافوا الواد؟”، “لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟”

“علاش مهربوش ملي شافوا الواد؟”، سؤال ذكرني بعنوان رواية غسان كنفاني “لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟”

في رواية كنفاني، ثلاثة فلسطينيين لكلّ منهم سبب للهروب من واقعه. أبو قيس فقد وطنه ويعيش مشرداً من مخيم إلى مخيم، يحلم بالعودة إلى فلسطين لكنه لا يعرف كيف. أسعد، مناضل يهرب من الطغيان بحثاً عن الحرية. ومروان يغادر هرباً من مسؤولية إعالة عائلته. ثم سائق الشاحنة أبو الخيزران (القائد) الذي لا همّ له سوى الحصول على المال بأي طريقة. يغادر الجميع البصرة متّجهين إلى الكويت في لهيب هذه الصحراء التي لا ترحم. ويدور حوار بين الثلاثة المختبئين في خزان الشاحنة. حوار في السياسة وفي أسباب الفرار. ونقاش في كيفية التخلّص من حالة الاختناق في الشاحنة يتحوّل إلى هذيان. لكنّ أياً منهم لا يجرؤ على دقّ جدار الخزان، فيموتون مفضِّلين هذه النهاية على مواجهة السلطة المتمثّلة في حرس الحدود.

هي حكاية تتكرر بشكل آخر، أمام أعيننا تعرضها فيديوهات مصورة من عين المكان، من إحدى البلدات التابعة لتارودانت، لاعبون وجمهور كرة، يفاجؤهم فيضان الوادي، في ملعب لم يمر على بنائه وتدشينه سوى بضعة أيام، لا يهربون، كما يريد ذلك بعض المعلقين من وراء شاشات الهواتف والحواسيب في المقاهي المكيفة في حواضر البلد، إما لهول المفاجأة أو لثقة زائدة في صلابة المبنى، ومدى قدرته على مقاومة السيول الجارفة. تتشابه الحكايتان إذن في حضور السلطة، سلطات الإحتلال وحرس الحدود في رواية كنفاني، مقابل مسؤولين محليين أظهرتهم فيديوهات وهم قبل عشرة أيام يحتفلون بتدشين الملعب، وبعد الحادث يتأسفون على الضحايا ويحملون المسؤولية للقضاء القدر، بل ذهب المسؤول الأول في الإقليم وممثل الملك فيه إلى حد التنويه بالتحام الضحايا ببعضهم البعض في أسوء الأحوال، فيما يشبه  السخرية، وإن غابت النية في ذلك، وأنهى تدخله بالوعد بالبحث عن المفقودين فور بروز الضوء !!! “ملي ابان الضو نقلبوا عليهم” وهو تعاطي واستهتار نعرف جميعا أنه لم يكن ليتم لو تعلق الأمر بمفقودين من ذوي الأعين الزرقاء و الشعر الأشقر، أو من دول البيترودولار.

“علاش مهربوش…” سؤال مغلوط، يحمل بحسن نية أو بسوئها –لافرق ولا أهمية لذلك- للضحية لا للمتسبب في الكارثة، الأصح التساؤل عمن شيد؟ من رخص؟ من دشن؟ من أغمض عينيه عن الأمر؟ من تهرب و/أوساهم في التهرب من المسؤولية؟.

هي مناسبة إذن لنعيد “دق جدران الخزان”، كيف ذلك؟ هناك العديد من المدارس الفرعيات خصوصا، لها نفس الوضع، أي بنيت في مجرى الوادي هي بالتالي مهددة بين الحين والآخر، هناك دواوير تفتقد إلى قناطر تحميها من العزلة التي تنتج عن الفيضانات في كل مرة، هناك وهناك…. فهل سيسمعون “دق جدران الخزان”…. لننتظر ونرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى