سلايدر

مظالم الجائحة..البعد القانوني

جديد24_ذ. عبد الصمد خشيع

أبدت  رئاسة النيابة العامة ببلدنا صرامة كبيرة ،مأبدتن خلال منشوراتها وتعليماتهاالكتابية الى السادة الوكلاء العامون بمحاكم الاستئناف ووكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية،من أجل تطبيق المرسوم الصادر بتاريخ 2020/3/23، والمتعلق بسن احكام خاصة لحالة الطوارىء الصحية ،بسبب جائحة كورونا التي طوقت العالم وجعلته في عزلة اقتثادية واجتماعية وارتباك نفسي مخيف.

واذا كنا نقر بنجاح المغرب بكل مكوناته السياسية والمدنية في تطويق الجائحة والتخفيف من تداعياتها ،الا انه للاسف سقطنا في عدة تناقضات ، مست حقوق الانسان الدستورية وقضت على كل المكتسبات التي تَحقق جزء منها بمقتضى دستور2011 ، ومن جملتها المحاكمة العادلة بمعناها الجوهري ،وليس الشكلي/الاحصائي، الذي غدا معياراً للاسف في تقييم منظومة العدالة بدولتنا،لكثير من المؤسسات، ولعل من الملاحظات التي صاحبت ملفات وقضايا المعتقلين على خلفية خرق الحجر الصحي ، هو تزايد عدد المعتقلين ،بشكل ملفت للنظر، لم تتحكم فيه فقط سلوكات الشباب الذين لم يستوعبوا تداعيات فيروس كورونا ، بل مكونات السلطات العمومية بكل مؤسساتها، ومعها الضابطة القضائية ،التي لم تكن مهيأة نفسيا لاقناع المخالفين بما يلزم من خطاب عقلاني رزين ، إذ تحولت اغلب تدخلات السلطة او الضابطة الى ملاسنات واحتكاك  بين الطرفين ، فتنتهى  بمحاضر تتضمن اهانة للضابطة، ويتم من خلالها إدانة الشباب بعقوبات قاسية، لمجرد انهم ابدوا تعنتا كبيرا في تصفيدهم ،،او لمجرد ملاسنة تجريحية في حق احد عناصر الشرطة او السلطة ٠

بهذا المعنى تم تقويض المفهوم الجديد للسلطة ، الذي نادى به الملك محمد السادس غداة توليه العرش، برؤية جديدة وثاقبة ،تنفس من خلالها المغاربة الصعداء ، بعد مخلفات سنوات الرصاص وما كانت تحمل من انتهاكات جسيمة ، لكن كان للسلطة المحلية حنين كبير الى لغة الأصفاد ،والتزمجر والقمع واحيانا السب القدحي ، فتولدت مظالم كبيرة لا ترد ابدا الا بالاعتذار ٠

طبعا، هذا المناخ، أي مناخ المظالم التي تحملها بعض المحاضر ،يُثلٍم صحيفة رئاسة النيابة العامة ،التي كانت بالامس تتوق في كل تدخلاتها الى تنزيل سياسة جنأئية تروم الحكامة الجيدة والفاعلة  للحفاظ على حقوق الانسان وصون كرامته، ومحاكمته محاكمة عادلة ٠

ثُلْمَة اكتوى بها كل المدانين الذين عاشوا تحث أوّار تلك المحاضر ذات القوة التبوتية المطلقة الى حد التقديس المسطري، لاسباب واضحة والتي من جملتها ،ان بعض رجال السلطة ومعهم بعض رجال الامن ،غير مؤهلين نفسيا للتعامل مع كل المخالفين لخرق حالة الطوارىء التي نعيشها ، بدليل ان كثيرا من المحاضر ابتدأت بخرق حالة الطوارىء وانتهت بجنحة اهانة الضابطة القضائية ،والتي غاب عنها للاسف ان مرسوم 2020/3/23  لم يستمد مواده من عرف معين ، ليتم استيعابه بشكل جيد، بحيث لايتطلب فقط تطبيقه رأسا ، بل يقتضي الشرح والتقريب والاقناع ، ليتحقق المطلوب في هذه الظروف الحرجة ، وذلك بمنأى عن اسلوب  الاصفاد التي يرفضها طبعا الشباب المغربي الذي يعتبرها ادانة له على فعل لم يرتكبه اصلا ٠

يهمنا في هذا المقال المتواضع أن نرصد احد العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحكمت في تمرد بعض الشباب  على الحجر الصحي ، في ابعادها التلاتة :

 البعد الأول : أن خرق حالة الطوارىء لاتتم من طرف الاغنياء الذين يتمتعون  بمساكن راقية  وفسيحة تتوفر على كل شروط الراحة ، بل تتم من طرف الفقراء الذين يقبعون في منازل تضيق بهم في الظروف العادية ، فاحرى في ظل الحجر الصحي ، او في شقق تُعد من السكن الاقتصادي وهي في حقيقة الامر (سكن اكتظاظي ) ، هذا الوضع يتحرج منه شباب الفقر ،الذي أُبتلي بالتدخين او بالعادات السيئة التي لايسعفه حياؤه في التعبير عنها في وضع سكني مرفوض أو مُضجر منه ٠

البعد الثاني: وهو الجانب النفسي المهزوم لاغلب الشباب الذين يعجزون عن سد خلاتهم ، في ظل جائحة كورونا ،بعد ان أُغلقت اسواق الشغل ، وتوقفت الحركة الاقتصادية كمورد اساسي ، لظروف نعلمها جميعا، وضعت صحةو حياة المواطنين المغاربة في اولوية الأولويات.

 البعد الإجتماعي: وهو أن اغلب الفقراء تحرجوا من وضعهم المادي ، وهم يغالبون كتمانهم لما يتمتع به بعضهم من تعفف وانفة ، لا تدفعهم الى طلب المساعدة او الاستجداء، وبين هذا وذاك، أي بين الحاجة والكرامة، يتولد السخط واحيانا السخرية بكل تجلياتها ، بحكم اننا نعيش حالة استثناء نفسي وإقتصادي واجتماعي بكل المقاييس، واذا كنا نؤمن بذلك، فإننا ايضا في حاجة الى رجل أمن استثنائي والى نيابة عامة استثنائية والى قاضي ومحكمة استثنائية ، تراعي خصوصيات الموقف بكل ابعاده الانسانية ، تفاديا للوقوع في المظالم باسم تطبيق القانون ٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى