السياسيةجديد24سلايدر

“السنة الأمازيغية”..إدوصالح: لا وُجود في المغرب لمن يتحدّث بلغة القرآن والمعلّقات الشعرية(حوار)

اعتبر البعض أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، أو ما يُعرف بـ”يِضْ يِنّاير” لدى الكثير من بنات وأبناء الشعب المغربي، ممنوعاً وغير جائز عند علماء المسلمين.

ويحتفل الكثير من المغاربة بهذه المناسبة، منذ سنين، في الـ12 أو الـ13 يناير من كل سنة ميلادية؛ إذ يعدّون أطباقاً من الأُكلات التقليدية، التي تختلف من منطقة إلى أخرى، من قبيل “تَاكْلاّ : العصيدة” أو “الكُسْكُسْ” أو “ؤُرْكِمْنْ : أُكلة تتكون من مختلف الحبوب، و”كرعين” الغنم، والبصل والطماطم..”، وهــي أطباق لها علاقة بالمنتوجات الفلاحية. ويُرفِقون هذه الأُكلات بالعديد من الطُّقوس والأقوال المرتبطة بالفلاحة والأرض، والتي يتمنون من خلالها سنة جيدة.

ومن أجل مقاربة هذه المسألة من زاوية أخرى، استضافت “جديد24” الناشط في صفوف الحركة الأمازيغية، وأستاذ الفلسفة “عبد الرحيم إدوصالح”، وأجرت معه الحوار الآتي:

بداية.. ما رأيك في حُجج الذين يرفضون الاحتفال بـ”رأس السنة الأمازيغية”(يِضْ ينَّاير)؛ إذ يقولون إنها عيد من أعياد الجاهلية التي منعها الإسلام؟

بالنسبة لمواقف لهؤلاء الناس، ليست مواقفا علمية أو مضبوطة وتاريخية. فإذا كانت لديهم دلائل أو وقائع تاريخية وقّعت في الماضي فليُقدموها لنا.

إن تحليلنا لهذا الأمر يقودنا إلى أن هؤلاء لا يحرّكم لا التاريخ، ولا الإسلام كدين، ولا حتى أي ثقافة.. فما يحركهم هي مجموعة من الأمراض النفسية الداخلية أو الأزمات الذاتية السيكولوجية، إنهم يعتقدون أنهم الأحق بالرِّيادة داخل المجتمع.

وبالتّالي يُريدون أو يحلمون بجعل المجتمع يتبنّى أفكارهم ومواقفهم وتحليلاتهم، وهذا يُؤدي بهم إلى مُعاداة ومحاربة كل الحركات الأخرى كيفما كانت أيديولوجيتها وفلسفتها.. إنهم لا يتواجهون بالأدلة والعلم، وإنما بالهجوم فقط.

ماذا يعني هجوم شخص، يُقال أنه فقيه، على ثقافة الناس ويصيفها بالجاهلية، وأنها ليست في الإسلام؟ كيف نفهم هذا؟ بل كيف نقبله؟ فالذي يقول هذا، ويتذرّع بالإسلام، نُسائله نحن بدورنا عن أعياد الإسلام: ألم تكن قبل مجيء الإسلام؟ مثلا رمضان ألم يكن قبل الّإسلام؟ إنه كان قبل الإسلام والتاريخ يُؤكد هذه المسألة، فالناس كانت تصُوم من قبل..

(مقاطعا) بالنسبة لـ”يِض يِنّاير” هل هو عيد ديني؟

أبدا، لا علاقة له بالدين.. وبالتالي لا نفهم كيف يُفكر هؤلاء؟ ولماذا يحاكمون ثقافة الناس بأفكارهم الدينية الماضوية؟

فـ”يِضْ يناير” له علاقة بمسألتين مهمتين، هما:

أولا؛ أنه احتفال كان في التاريخ الأمازيغي القديم، إذ أن الإنسان الأمازيغي حاول أن يفهم فصول السنة، والتي لها علاقة بكل ما يتعلق بالأرض والفلاحة.. أي أن المسألة لها علاقة بعمل الإنسان من أجل أرضه وما تُنتجه، ويتبيّن لنا هذا في طُرق الاحتفال.

المسألة الثانية؛ وهي مهمة، فمرتبطة بالانتصار الذي حققه “شيشونغ الأمازيغي” على “رمسيس الثاني الفرعوني” في سنة 950 قبل الميلاد؛ حيث استطاع “شيشونع” أن يصل إلى السلطة ويحكم في مصر، في عز قوة الفراعنة. والغريب أن هذا الانتصار جاء متوازياً مع نفس الفترة التي يحتفل فيها الأمازيغ بعلاقتهم بالأرض.

إذن، هنا لا نجد للاحتفال أي علاقة بالدين، وبتلك المفاهيم التي يُوظِّفونها المُستمدّة من الشرق..

بخصوص المفاهيم التي تُستخدم في هذا السياق، مثلاً “الجاهلية”.. في رأيك هل لازال لها مكانا في عصرنا الحالي؟

بالنسبة لهاته المفاهيم فهي بعيدة كل البعد عن الدولة الحديثة؛ دولة المؤسسات المبنيّة على القانون. فهذه المفاهيم كانت تُستخدم في عصر الخُلفاء الأوائل، وتَستخدمها “داعش” الآن. وهي مفاهيم مرفوض بالنسبة لنا، لأننا الآن في عصر احترام حرية الإنسان التي لا تضر بحرية غيره؛ حريته في مواقفه، في دينه، في شكله..  لكن بدون سب الناس والهجوم عليهم.

بمعنى آخر ففي الدول الحديثة أو الديمقراطية، لا يمكن محاكمة قضايا الناس وثقافاتهم بالمعتقدات الدينية، لماذا؟ لأننا الآن مثلا، في المغرب، نحمل بطاقة التعريف الوطنية، التي تثبت جنسيتنا المغربية، ولا تحدد أدياننا… نحن مواطنون مغاربة، في المملكة المغربية، ولسنا في “داعش”.

في نظري إن هؤلاء يُحاولون تربية أجيال من السلفيين الذين سيُصبحون حطباً للإرهاب فيما بعد، ونحن نرفض هذا..

من جانب آخر، البعض يرى أن كل ما له علاقة بـ”الأمازيغية”، ومن ضمن ذلك هذا الاحتفال، يرمي إلى تفرقة الشعب المغربي، والبعض الآخر يرى أنه إلهاء للشعب على قضايا -يعتبرها- أهم كـ”الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”. بماذا ترد على هذين الرأيين؟

فيما يتعلق بالرأي الأول، يدفعني إلى طرح السؤال التالي: ما هو الشعب المغربي أصلاً؟ هل هناك الأمازيغ وشيء آخر؟ فإذا كان هناك مثلاً الأمازيغ والفراعنة أو العرب.. هنا يمكن أن نقول إننا سنَنقسم. هذا من جانب، ومن جانب آخر هل الحركة الأمازيغية تقول يجب تقسيم المجتمع؟ الإجابة هي: لا؛ فالحركة تدعو الدولة إلى أن تتبنى مفاهيم وأفكار ومواقف التي لها علاقة بالتاريخ والواقع فقط.

إن المغرب لا وجود فيه لمن يتحدث باللغة التي كُتب بها القرآن أو المعلقات الشعرية؛ فالذين يتحدّثون بمثل هذه اللغة هم العرب. هنا لا نجد من يقول: كيف حالك يا أبي؟ أو: كيف حالك يا ابني؟ هنا المواطنون يتكلمون بالمغربية/الدارجة. بالتالي مع من سيتصارع الأمازيغ؟ مع من سيتصارعون إذا كانوا لا ينادون إلا بحقهم في العيش سياسياً وثقافياً؟

إن الذين يُروّجون، لهذا الخطاب الذي يتحدث عن التفرقة هم سلفيون مسلمون. والتاريخ والواقع يقول إن المسلمين لم يتحدوا منذ موت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمنذ ذلك الحين وهم يتصارعون ويتقاتلون مع بعضهم البعض، ومازالوا على نفس النهج إلى حدود الآن.. لماذا؟ لأنهم لم يكونوا يوماً عقلانيون..

(مقاطعا) بالنسبة للرأي الثاني؟

بهذا الخصوص أؤكد أن مجموعة من التنظيمات السياسية التي كانت قبل ظهور الحركة الأمازيغية، كانت ترفع مطالب اقتصادية واجتماعية، وبل حتى دينية مثل العدل والإحسان. وهذا جميل، لكن ماهي النتيجة؟

المشكلة أن كل هؤلاء كانوا يُدافعون على أفكار لم تكن لها علاقة بالمجتمع المغربي. الآن يُؤخذون علينا دفاعنا عن ثقافتنا، لكن لماذا هم كانوا يُدافعون على القومية العربية ويَدعون لها؟ حقيقة لا أفهم هذا؛ هم كانوا يُدافعون على مشاريع بعيدة عنا، ويُؤخذون علينا دفاعنا عن هويتنا الأصلية في شمال إفريقيا..

عموما إن الحركة الأمازيغية هي حركة تتكوّن من مجموعة من المثقفين والمهتمين بمختلف المجالات بما فيها الشق الديمقراطي والشق الاقتصادي.. فالحركة تُطالب بالعدالة الاجتماعية، لكن بالعدالة الثقافية كذلك.

أخيراً، بخصوص عدم ترسيم هذه المناسبة عيداً وطنياً كباقي الأعياد الوطنية الأخرى، من يتحمل المسؤولية في هذا التأخير في نظرك؟

الذين يتحملون المسؤولية في هذه القضية، هم الإسلاميون. فبعد أن غادر اليسار صراعه مع الأمازيغية، وأصبح الآن يناقش معنا بشكل ديمقراطي (بداية الأسبوع شاركت في محاضرة معهم)، لم يبقَ إلا أصحاب الإسلام السياسي، وخصوصاً الذين يبيعون الدين بالأموال، أي الحزب الذي يقود الحكومة.

فحزب العدالة والتنمية هو المسؤول الوحيد على قمع ونسيان القضية الأمازيغية، وليس السلطة المركزية أو وزارة الداخلية أو جهة أخرى، وأنا مسؤول على ما أقول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى