أخبار وطنيةثقافة وفنجديد24سلايدر

برنامج (عن قرب …عن بعد) يستضيف اللساني والسيميائي: محمد البكري في موضوع النصوص القصوى: أ”علمية” في التحليل أم تعميق “للخلافية”؟

متابعة الطالب: محمد اسفونا

نظم ماستر السرد والثقافة بالمغرب، يوم السبت 18 يوليوز2020 ابتداء من الساعة السابعة مساء، بتنسيق مع مختبر السرد والأشكال الثقافية والتخييلية وبتعاون مع مختبر اللغة العربية وتحليل الخطاب، وماستر الدرس اللغوي والخطاب الشرعي، وماستر تحليل الخطاب الأدبي في المغرب والأندلس، و Master d’Etudes du Patrimoine : matériel et immatériel، و Master : Gender Studies، برنامجا أطلق عليه اسم: برنامج (عن بعد…عن قرب)، تضمن في حلقته الرابعة محاضرة بعنوان: النصوص القصوى: أ “علمية” في التحليل أم تعميق “للخلافية”؟، ألقاها الكاتب واللساني والسيميائي: محمد البكري، وذلك بمشاركة السادة الأساتذة: عبد الرحمان غانمي (منسق ماستر السرد والثقافة بالمغرب، جامعة السلطان مولاي سليمان، بني ملال)، أحمد جيلالي (المدرسة العليا للتربية والتكوين، جامعة الحسن الأول، سطات)، عبد الله جغنين (شعبة اللغة الفرنسية، جامعة محمد الأول وجدة)، عبد الحق جبار (شعبة اللغة الإنجليزية، جامعة السلطان مولاي سليمان)، محمد الشحات (كاتب وناقد أدبي وأكاديمي مصري)، وسير برنامج هذه المحاضرة الباحث والصحفي: عبد العالي دمياني، كما حاور الدكتور محمد البكري بعض طلبة ماستر السرد والثقافة بالمغرب (كلية الآداب والعلوم الإنسانية، بني ملال)، ويتعلق الأمر بكل من؛ مصطفى أبو الخير، مريم الوزاع، حياة كرو، كريمة أهروي، أسماء أڭوتي.
وأبرز عبد الرحمان غانمي في معرض افتتاحه للمحاضرة أنه بمجرد إلقاء نظرة، ولو عامة، على مسار الأستاذ محمد البكري ومنجزاته في مختلف الميادين والمستويات، التي طالها نشاطه وعمله أو اهتمامه، تدرك أن طابعها الأساس الجدية والتنوع والإحساس العميق بالمسؤولية، والتفاني في العمل والخدمة، والتوجُّه في صرامة – لكن بهدوء وصمت- نحو العميق والأصيل، من جهة، والجديد الحقيقي، من جهة ثانية، مع ضرورة ضمان شرط التناسق والتناغم؛ والتركيز على الإشكالات الحيوية والجوهرية، التي تقض مضاجع المثقفين، وترهن المستقبل، وتتحكم في أدق تفاصيل مناحي الحياة حتى أعظمها؛ والانشغال المهموم بالأجوبة الجدية والرصينة، في محاولة حثيثة لنشر الوعي بين الجميع، وكسب رهان الحرية والتقدم والجودة.
وعطفا على مداخلة عبد الرحمان غانمي، قدم مسير البرنامج عبد العالي دمياني ورقة تعريفية عن الدكتور البكري، انطلق من خلالها من مختلف أعماله وأنشطته؛ من الأستاذ المدرس، والجامعي الباحث والمؤطر، والمثقف، والناشط في المجال الثقافي العام، والكاتب والناقد الأدبي، ومترجم نصوص الحداثة الفلسفية والسيميائية واللسانية والأدبية والنقدية والمواطن والإنسان الخ…
واستهل الدكتور محمد البكري محاضرته بطرح مجموعة من الأسئلة التأطيرية مفادها؛ لماذا التحليل النصي؟ وما قيمته راهنا؟ ما موقف التحليل النصي ووظيفته ودوره في إطار ما يمكن تسميته بمحاولة استنبات مدارس للتحليل النصي أو تحليل الخطاب؟ ما علاقة جهود؛ مثل الطبعة العربية لكتاب “S/Z” بأعمال منجزة في إطار تحليل الخطاب؟ ما وجه الصعوبة أو التعقيدات الموجودة في كتاب “S/Z” ؟
ليقسم بعد ذلك محاضرته إلى ثلاثة محاور؛ أولها السياق العام والخاص الذي جاء فيه التحليل النصي، وثانيها من التحليل البنيوي الحديث إلى التحليل النصي، ثم ثالثها التحليل النصي: مفاهيمه وتدابيره الإجرائية.
ليبين بعد ذلك أن التحليل النصي عاد إلى النص الأدبي لتأسيس دلائلية نصية فعلية وترسيخها، وأن وقوفه أمام النص الأدبي يطرح دائما مشكل: “كيف نقوِّمه؟”. كان رد الدكتور محمد البكري جليا وحاسما وموقفيا؛ ليس بالاستهلاك وإنما بالإنتاج، وإعادة كتابته؛ لكن، ليست كل النصوص الأدبية مهيأة أو قادرة على أن تتيح لنا هذه الإمكانية. من ثم يجب البحث عن النصوص القصوى، القابلة للكتابة لأنها نادرة وعزيزة: إنها النصوص المتعددة الأصوات، النصوص التي تشكل ظاهرة إيحائية فيها فقط تصبح القراءة نشاطا لاستكشاف طرق انطلاق الدلالات وتشتتها.
انطلاقا من هذا الطرح ذهب طلبة ماستر السرد والثقافة بالمغرب، إلى التساؤل عن كيفية تحديد قيمة نص ما؟ وكيف تتأسَّس صِنافة أولى للنصوص؟ هل يمكن للتقويم المؤسِّس لكل النصوص أن يرِد من العلم؟ أيُّ النصوص أقبَلُ بقراءتها أو أتعلَّق بها، أن أرغب فيها وأقدِّمَها كقوة في هذا العالم الذي هو عالمي؟ لماذا تشكِّل النصوص القصوى قيمتَنا؟ أ رهان العمل الأدبي جعل القارئ مُنتجا للنص أم مجرَّد مستهلك فقط؟
وأوضح الدكتور أحمد جيلالي وقوع تطور في مسيرة رولان بارت النقدية، إذ تحرر من قيود النقد البنيوي الشكلي المنحصر في النصّ وحده، والمغلق للأبواب والمنافذ على النّص، فتبنّى المنهج السيميائي، الذي يوفّر له حرية أكبر في تفسير ما وراء الدّال والمدلول والدلالة ويجعل‏ النّص أكثر انفتاحا على اللغة والعالم، ويرى فيه تحوّلاً لا محدوداً للمدلولات، من خلال تحرّك الدّال الذي ينطلق بطاقة غير محدودة، ولذلك فهو غير قابل للانغلاق أو التمركز، وفيه حقّق النّص حدّاً غير قابل للتحجيم من الدلالات الكليّة، لأنه مبني على الاقتباسات المتداخلة مع النصوص الأخرى، ومن الإرجاعات والأصداء، ومن اللغات الثقافية، ولذلك فإن النّصوص القصوى تستجيب للانتشار والتوسع.
في حين رأى الدكتور عبد الله جغنين أن بلزاك لم يترك أي تيمة أو موضوع إلا وطرقه، متناولاً إياه بتفصيل وتفحص وإمعان، وجعل منه مادة للتشريح والعرض مهما كان محرماً أو منفراً أو لا أخلاقياً أو مرفوضاً في عرف وتقاليد مجتمعه وثقافته السائدة. فنجده في رواية “سارازين” يحلل بدقة وفطنة قضية الشذوذ الجنسي.
لم تكن هناك محددات أو عوائق تردعه من انتهاك كل التابوات أو المقدسات والتقاليد الاجتماعية القارة، فبلزاك كان رجل علم ومختبر الواقع بكل مفاصله وخفاياه، فهو عد رواياته بمثابة بحث علمي دقيق، بارع في سرده الوصفي، وعميق في شرحه.
أما الدكتور عبد الحق جبار، فيرى أن النص في الدراسات الثقافية لا يقتصر على النص اللغوي الإبداعي، وإنما ينطبق على كل نظامٍ علاماتي يحمل دلالة. والثقافة عبارة عن نص مركبٍ معقد، أو هي مجموعة من النصوص التي تتداخل وتتفاعل فيما بينها. والنص الأدبي أحد هذه الأنظمة، وهو نظام دال يعمل ضمن سيرورة التداخلات بينه وبين أنظمة الثقافة الأخرى. ولكي نصف حياة النص في إطار نظام الثقافة أو العمل الداخلي للبنى التي تكونه، فإن الاقتصار على وصف النظام المحايث لمختلف المستويات يصبح غير كاف. ولذلك، فإن الدراسات الثقافية لا تنظر إلى النص بوصفه مجموعة من العلامات فقط، وإنما بوصفه علامة في نص الكون الثقافي. فالنص فيها كلٌّ متكامل.
وقد مضى الدكتور محمد الشحات إلى تعميق دلالة التعدد في المعنى وانفتاح النصوص القصوى، فإذا كان كل عصر من العصور يعتقد أنه يمتلك المعنى الشرعي للنصوص القصوى، فإنه يكفي أن نوسِّع التاريخ قليلاً لكي يستحيل هذا المعنى المفرد إلى المعنى المتعدد، ولكي تنتقل هذه النصوص من الانغلاق إلى الانفتاح، فتشمل النصوص العربية بدل اقتصارها على النصوص الغربية.
وأبرز الدكتور محمد البكري في سياق تعقيبه على المداخلات السابقة، أن النصوص القصوى ليست شيئا من الصعب العثور عليه في خزائن الكتب العربية. النصوص القصوى حاضرة دائما، هي نحن أثناء الكتابة، قبل أن تعبُر لعبةَ العالم اللانهائية. بيد أن الجدير بالتساؤل هو كيف تتبع النصوص القصوى الدلالات؟ كيف تنسقها؟ وتبين طرق تبَنْيُنها (لأنها لا تبحث عن بنية للنص). كيف تجزئ النص؟ كيف تسير معه خطوة خطوة؟ كيف تنَجِّمه ليستخرج شفراته المتنوعة؟ أو بعبارة أخرى كيف تستكشف عالمه المتحرك، وتعيد كتابته بمتعة ولذة؟ ذلك هو موضوع التحليل النصي، علما أن التسرع في محاولة إنماء هذا العمل إلى أحد أجناس النشاط الثقافي أو المعرفي إضرار به؛ لأنه، كما قال البكري، ليس نقدا أدبيا، بل ولا حتى أدبا؛ إنه نشاط نظري وممارسة، واختيار وانغماس في معركة البشر ضد الأدلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المثمر
زر الذهاب إلى الأعلى